للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستويات العصبية الاجتماعية

للعصبية مظاهر تبدو ما فيها نستطيع الوصول إليه من قراءة الأخبار التي وردت في أيام العرب، ومن خلال أشعارهم، ومن الآيات القرآنية التي وردت فيها. وهذه المظاهر هي:

١- عصبية العشيرة وذوى الأرحام:

كان أفراد العائلة الواحدة أو الفخذ أو البطن، أي أفراد الوحدة الاجتماعية الصغرى، الذين تجمع بينهم الأرحام القريبة يتضامنون في الدفاع عن بعضهم، والاستنصار لبعضهم في مختلف المواقف: فهم أفرادًا وجماعة، مطالبون بالتضامن في الدفاع عن سمعة الوحدة وشرفها ومصلحتها المشتركة؛ وحفظها من العدوان عليها في داخل القبيلة أو خارجها، كما أنهم جميعًا مطالبون بجريرتها، حتى ولو كانوا متنافرين في العقيدة والميول، فهي عندهم أقوى من الإيمان الديني، ولقد ظهر هذا النوع من العصبية واضحًا جدًّا في أول ظهور الإسلام، وكان له أثر كبير في الأحداث التي وقعت في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلقد وقف بنو هاشم يحمون النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة ضد بقية بطون قريش استجابة لعصبية الرحم والقربى، بالرغم من بقائهم على دين آبائهم: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام] ١ حتى لقد قاطعتهم قريش من أجل ذلك وحصرتهم في أحد شِعاب مكة ثلاث سنوات٢. وحتى أبو لهب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان قد شذ ومالأ قريشًا، فإنه


١ تفسير الطبري ١١/ ٣١٢- ٣١٤.
٢ ابن هشام ١/ ٣٧١ وما بعدها.

<<  <   >  >>