للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شابًّا، ولما علم بحقيقة نسبه عاد إلى قومه، واستقر بمكة، وفيها أظهر من النشاط والتفوق ما جعله يصهر إلى زعيم خزاعة: حليل بن حبشية، فيتزوج ابنته حبى١، ويكثر مال قصي وولده، ويعلو مركزه بمكة، ويقوى تبعًا لذلك طموحه، فيرتب للاستيلاء على الحكم وسدانة البيت في مكة. وقد رتب لخطته ترتيبًا يدل على قوة شخصية ودهاء. فإنه اتصل سرًّا بعشائر قريش وبطونها التي كانت متفرقة في تهامة وحول مكة، فوحد كلمتها وجمعها حوله، كما حالف بطون كنانة، ثم راسل أخاه لأمه رزاح بن ربيعة بن حرام العذري القضاعي؛ ليمده إذا لزم الأمر؛ فلما تم له ذلك انتهز فرصة موت صهره الذي كان بيده سدانة الكعبة، فاستولى على مفتاح البيت الحرام وأعلن أحقيته بولاتيه، وعارضت خزاعة أن يكون لغيرها منصب من المناصب المتصلة بالبيت الحرام، فاستنفر قصي قريشًا وكنانة، واستمد أخاه فقدم فيمن قدر عليه من قضاعة، واستطاع قصي بمن معه أن يهزم خزاعة وحلفاءها من بني بكر، وأن يجليها عن مكة٢، كما استطاع أن يفرض سلطانه على بطون كنانة التي كانت تلي بعض طقوس الحج، وأنزل قريشًا مكة وقسمها بينهم، فأقر له القوم جميعًا بالملك عليهم، واجتمعت مناصب مكة كلها في يده٣.

ويذهب بعض الأخباريين إلى أن مكة لم يكن بها بناء غير الكعبة، إلى أن تولى قصي أمرها، ويعللون ذلك بأن جُرهم وخزاعة لم يريدوا أن يكون إلى جوار بيت الله غيره، وأنهم لم يكونوا يقيمون ليلهم بالحرم؛ وإنما كانوا يذهبون إلى الحِل٤. فلما تم الأمر لقصي جمع قريشًا واستقر بها في الحرم وأمرها بألا تبرحه ليلًا، وأنه لكي لا يثير شعور القبائل ضده أقام الموائد ومد الطعام على أبواب الطرق الموصلة لمكة في موسم الحج؛ فلما تأكد من عدم الاعتراض على فعله؛ بنى داره بمكة واتخذها مقرًّا لندوة قريش فعرفت بدار الندوة، يجتمع فيها كبراء مكة تحت إمرته للتشاور في أمور بلدهم، وأمر قومه من قريش؛ فبنوا دورهم بعد أن قسم البلد بينهم، فنزلت قريش كلها بالأبطح


١ ابن هشام ١/ ١٣٠.
٢ الطبري ٢/ ١٥ ابن هشام ١/ ١٣٠- ١٣٦.
٣ ابن هشام ١/ ١٣٧.
٤ اليعقوبي ١/ ١٩٧.

<<  <   >  >>