للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى الْأَمَانِ لَهُمْ، فَقَالُوا: لَئِنْ لَمْ تُعْطِنَا الْأَمَانَ رَجَعْنَا فَقَتَلْنَا كُلَّ أَسِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَيْدِينَا - وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ - وَقَتَلْنَا ذَرَارِينَا، وَخَرَّبْنَا الدُّورَ وَالْأَمَاكِنَ الْحَسَنَةَ، وَأَتْلَفْنَا مَا بِأَيْدِينَا مِنَ الْأَمْوَالِ، وَأَلْقَيْنَا قُبَّةَ الصَّخْرَةِ، وَلَا نُبْقِي مُمْكِنًا فِي إِتْلَافِ مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ نُقَاتِلُ قِتَالَ الْمَوْتِ، فَلَا يُقْتَلُ وَاحِدٌ مِنَّا حَتَّى يَقْتُلَ أَعْدَادًا مِنْكُمْ، فَمَاذَا تَرْتَجِي بَعْدَ هَذَا مِنَ الْخَيْرِ؟

فَلَمَّا سَمِعَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ أَجَابَ إِلَى الصُّلْحِ، عَلَى أَنْ يَبْذُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، وَعَنِ الْمَرْأَةِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ، وَعَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَصَغِيرَةٍ دِينَارَيْنِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ أَسِيرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ تَكُونَ الْغَلَّاتُ وَالْأَسْلِحَةُ وَالدُّورُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَتَحَوَّلُوا مِنْهَا إِلَى مَأْمَنِهِمْ وَهِيَ مَدِينَةُ صُورَ. فَكُتِبَ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ لَا يَبْذُلُ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهُوَ أَسِيرٌ، فَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ أُسِرَ بِهَذَا الشَّرْطِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ إِنْسَانٍ ; مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَوِلْدَانٍ، وَدَخَلَ السُّلْطَانُ وَالْمُسْلِمُونَ الْبَلَدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قُبَيْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَلِيلٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، قَالَ الْعِمَادُ: وَهِيَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى السَّمَاوَاتِ الْعُلَا. قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ: وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْإِسْرَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَمْ يَتَّفِقْ لِلْمُسْلِمِينَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ يَوْمَئِذٍ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا أُقِيمَتْ يَوْمَئِذٍ، وَأَنَّ السُّلْطَانَ خَطَبَ بِنَفْسِهِ بِالسَّوَادِ يَوْمَئِذٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمْ يُمْكِنْ إِقَامَتُهَا يَوْمَئِذٍ لِضِيقِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا أُقِيمَتْ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَكَانَ الْخَطِيبُ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، الْقُرَشِيَّ بْنَ الزَّكِيِّ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>