للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ، وَالْأَقَالِيمِ وَالرَّسَاتِيقِ، وَعَلَى سَائِرِ الْمَنَابِرِ شَرْقًا وَغَرْبًا، بُعْدًا وَقُرْبًا، كَمَا كَانَ أَبُوهُ وَأَجْدَادُهُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ.

وَمِمَّا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَنَّهُ كَانَ بِالْعِرَاقِ وَبَاءٌ شَدِيدٌ فِي آخِرِ أَيَّامِ الْمُسْتَنْصِرِ، وَغَلَا السُّكَّرُ وَالْأَدْوِيَةُ، فَتَصَدَّقَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، بِسُكَّرٍ كَثِيرٍ عَلَى الْمَرْضَى، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ.

وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ رَابِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ أَذِنَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَعْصِمُ بِاللَّهِ لِأَبِي الْفَرَجِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، وَكَانَ شَابًّا ظَرِيفًا فَاضِلًا، فِي الْوَعْظِ بِبَابِ الْبَدْرِيَّةِ، فَتَكَلَّمَ وَأَجَادَ وَأَفَادَ، وَامْتَدَحَ الْخَلِيفَةَ الْمُسْتَعْصِمَ بِقَصِيدَةٍ مُفِيدَةٍ، طَوِيلَةٍ جَلِيلَةٍ، فَصِيحَةٍ مَلِيحَةٍ، سَرَدَهَا ابْنُ السَّاعِي بِكَمَالِهَا، وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ، وَالشِّبْلُ فِي الْمَخْبَرِ مِثْلُ الْأَسَدِ.

وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْحَلَبِيِّينَ وَبَيْنَ الْخُوَارَزْمِيَّةِ، وَمَعَ الْخُوَارَزْمِيَّةِ شِهَابُ الدِّينِ غَازِيٌّ صَاحِبُ مَيَّافَارِقِينَ، فَكَسَرَهُمُ الْحَلَبِيُّونَ كَسْرَةً عَظِيمَةً مُنْكَرَةً، وَغَنِمُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا جِدًّا، وَنُهِبَتْ نَصِيبِينُ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذِهِ سَابِعَ عَشَرَ مَرَّةً نُهِبَتْ فِي هَذِهِ السِّنِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَعَادَ الْغَازِيُّ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ، وَتَفَرَّقَتِ الْخُوَارَزْمِيَّةُ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ صُحْبَةَ مُقَدَّمِهِمْ بَرَكَاتِ خَانَ، لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ، وَقَدِمَ عَلَى الشِّهَابِ غَازِيٍّ مَنْشُورٌ بِمَدِينَةِ خِلَاطَ فَتَسَلَّمَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْحَوَاصِلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>