للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، ابْتَدَأَ حَرِيقُهُ مِنْ زَاوِيَتِهِ الْغَرْبِيَّةِ مِنَ الشَّمَالِ، وَكَانَ دَخَلَ أَحَدُ الْقَوْمَةِ إِلَى خِزَانَةٍ ثَمَّ، وَمَعَهُ نَارٌ فَعَلِقَتْ فِي الْآلَاتِ ثَمَّ، وَاتَّصَلَتْ بِالسَّقْفِ بِسُرْعَةٍ، ثُمَّ دَبَّتْ فِي السُّقُوفِ، وَأَخَذَتْ قِبْلَةً، فَأَعْجَلَتِ النَّاسَ عَنْ قَطْعِهَا، فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَةٌ حَتَّى احْتَرَقَتْ سُقُوفُ الْمَسْجِدِ أَجْمَعَ، وَوَقَعَتْ بَعْضُ أَسَاطِينِهِ، وَذَابَ رَصَاصُهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ النَّاسُ، وَاحْتَرَقَ سَقْفُ الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَوَقَعَ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الْحُجْرَةِ، وَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ حَتَّى شُرِعَ فِي عِمَارَةِ سَقْفِهِ وَسَقْفِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، عَلَى صَاحِبِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ، فَعَزَلُوا مَوْضِعًا لِلصَّلَاةِ، وَعُدَّ مَا وَقَعَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ الْخَارِجَةِ وَحَرِيقِ الْمَسْجِدِ مِنْ جُمْلَةِ الْآيَاتِ، وَكَأَنَّهَا كَانَتْ مُنْذِرَةً بِمَا يَعْقُبُهَا فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ مِنَ الْكَائِنَاتِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ أَبِي شَامَةَ.

وَقَدْ قَالَ أَبُو شَامَةَ فِي الَّذِي وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَمَا بَعْدَهَا شِعْرًا، وَهُوَ قَوْلُهُ:

بَعْدَ سِتٍّ مِنَ الْمِئِينَ وَخَمْسِي ... نَ لَدَى أَرْبَعٍ جَرَى فِي الْعَامِ

نَارُ أَرْضِ الْحِجَازِ مَعَ حَرْقِ الْمَسْ ... جِدِ مَعْهُ تَغْرِيقُ دَارِ السَّلَامِ

ثُمَّ أَخْذُ التَّتَارِ بَغْدَادَ فِي أَوَّ ... لِ عَامٍ مِنْ بَعْدِ ذَاكَ وَعَامِ

لَمْ يُعْنَ أَهْلُهَا وَلِلْكُفْرِ أَعْوَا ... نٌ عَلَيْهِمْ يَا ضَيْعَةَ الْإِسْلَامِ

وَانْقَضَتْ دَوْلَةُ الْخِلَافَةِ مِنْهَا ... صَارَ مُسْتَعْصِمٌ بِغَيْرِ اعْتِصَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>