للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِمَشْقَ وَأَرْسَلَ الْجُيُوشَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، لِحِفْظِ الثُّغُورِ وَالْمَعَاقِلِ بِالْأَسْلِحَةِ التَّامَّةِ وَالْجَحَافِلِ، فَلَمْ يَقْدِرِ التَّتَارُ عَلَى الدُّنُوِّ إِلَيْهِ، وَلَا الْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَوَجَدُوا الدَّوْلَةَ قَدْ تَغَيَّرَتْ، وَالسَّوَاعِدَ قَدْ شُمِّرَتْ، وَالسُّيُوفَ الْبَوَاتِرَ قَدْ سُلَّتْ، وَالرِّمَاحَ الْخَطِّيَّةَ قَدِ اعْتُقِلَتْ، وَالْقِسِيَّ قَدْ وُتِّرَتْ، وَالنِّبَالَ قَدْ حُصِّلَتْ، وَالْخُيُولَ قَدْ ضُمِرَتْ، وَالطُّبُولَ قَدْ حُصِّلَتْ، وَعِنَايَةَ اللَّهِ بِأَهْلِ بِالشَّامِ قَدْ تَنَزَّلَتْ، وَرَحْمَتَهُ بِهِمْ قَدْ تَدَارَكَتْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَكَصَتْ شَيَاطِينُهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَكَرَّتْ رَاجِعَةً الْقَهْقَرَى عَلَى أَذْنَابِهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَتَكْمُلُ الْمَسَرَّاتُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَبَعْدَ الْمَمَاتِ.

وَقَدْ كَانَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ قُطُزُ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَنَابَ عَلَى دِمَشْقَ الْأَمِيرَ عَلَمَ الدِّينِ سَنْجَرَ الْحَلَبِيَّ أَحَدَ الْأَتْرَاكِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ مَقْتَلُ الْمُظَفَّرِ دَخَلَ الْقَلْعَةَ، وَدَعَا لِنَفْسِهِ وَتَسَمَّى بِالْمَلِكِ الْمُجَاهِدِ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْبَيْعَةُ لِلْمَلِكِ الظَّاهِرِ خُطَبَ لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ السَّادِسَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَدَعَا الْخَطِيبُ أَوَّلًا لِلْمُجَاهِدِ، ثُمَّ لِلظَّاهِرِ ثَانِيًا، وَضُرِبَتِ السِّكَّةُ بِاسْمِهِمَا مَعًا، ثُمَّ ارْتَفَعَ الْمُجَاهِدُ هَذَا مِنَ الْبَيْنِ، كَمَا سَيَأْتِي.

وَقَدِ اتَّفَقَ فِي هَذَا الْعَامِ أُمُورٌ عَجِيبَةٌ، وَهِيَ أَنَّ أَوَّلَ هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتِ الشَّامُ لِلسُّلْطَانِ النَّاصِرِ بْنِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ فِي النِّصْفِ مِنْ صِفْرٍ صَارَتْ لِهُولَاكُوقَانَ مَلِكِ التَّتَارِ، ثُمَّ فِي آخِرِ رَمَضَانَ صَارَتْ لِلْمُظَفَّرِ قُطُزَ، ثُمَّ فِي أَوَاخِرَ ذِي الْقَعْدَةِ انْتَقَلَتْ إِلَى مَمْلَكَةِ السُّلْطَانِ الظَّاهِرُ بِيبَرْسُ، وَقَدْ شَرَكَهُ فِي دِمَشْقَ الْمَلِكُ الْمُجَاهِدُ عَلَمُ الدِّينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>