للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ: إِنَّهُ كَانَ مَظْلُومًا. وَلَمْ يَزَلْ يَكْتُبُ فِي " التَّارِيخِ " حَتَّى وَصَلَ إِلَى رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَذُكِرَ أَنَّهُ أُصِيبَ بِمِحْنَةٍ فِي مَنْزِلِهِ بِطَوَاحِينِ الْأُشْنَانِ، وَكَانَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ جَاءُوهُ قَبْلُ، فَضَرَبُوهُ لِيَمُوتَ، فَلَمْ يَمُتْ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَشْتَكِي عَلَيْهِمْ. فَلَمْ يَفْعَلْ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

قُلْتُ لِمَنْ قَالَ أَلَا تَشْتَكِي ... مَا قَدْ جَرَى فَهْوَ عَظِيمٌ جَلِيلْ

يُقَيِّضُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا ... مَنْ يَأْخُذُ الْحَقَّ وَيَشْفِي الْغَلِيلْ

إِذَا تَوَكَّلْنَا عَلَيْهِ كَفَى ... فَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلْ

وَكَأَنَّهُمْ عَادُوا إِلَيْهِ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَهُوَ فِي الْمَنْزِلِ الْمَذْكُورِ، فَقَتَلُوهُ بِالْكُلِّيَّةِ فِي لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ تَاسِعَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَدُفِنَ مِنْ يَوْمِهِ بِمَقَابِرِ دَارِ الْفَرَادِيسِ، وَبَاشَرَ بَعْدَهُ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ مَوْلِدُ الْحَافِظِ عَلَمِ الدِّينِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبِرْزَالِيِّ، وَقَدْ ذَيَّلَ عَلَى تَارِيخِ الشَّيْخِ أَبِي شَامَةَ; لِأَنَّ مَوْلِدَهُ فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ، فَحَذَا حَذْوَهُ وَسَلَكَ نَحْوَهُ، وَرَتَّبَ تَرْتِيبَهُ وَهَذَّبَ تَهْذِيبَهُ، وَهَذَا مِمَّنْ يُقَالُ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ فِي تَرَاجِمِهِمْ:

مَا زِلْتَ تَكْتُبُ فِي التَّارِيخِ مُجْتَهِدًا ... حَتَّى رَأَيْتُكَ فِي التَّارِيخِ مَكْتُوبًا

وَيُنَاسِبُ أَنْ يُنْشَدَ هُنَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِذَا سَيِّدٌ مِنَّا خَلَا قَامَ سَيِّدٌ ... قَئُولٌ لِمَا قَالَ الْكِرَامُ فَعُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>