للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَدِيدَةً مِنْ قُوَّةِ الْأَلَمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَالِهِ فَجَعَلَ يُكَرِّرُ: الْحَمْدُ اللَّهِ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمَغَصِ الشَّدِيدِ، وَصَلَّى الظُّهْرَ بِنَفْسِهِ، وَدَخَلَ إِلَى الطَّهَارَةِ، وَتَوَضَّأَ عَلَى حَافَّةِ الْبِرْكَةِ وَهُوَ فِي قُوَّةِ الْوَجَعِ، ثُمَّ اتَّصَلَ بِهِ هَذَا الْحَالُ إِلَى الْغَدِ مِنْ يَوْمِ السَّبْتِ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ لَمْ أَكُنْ حَاضِرَهُ إِذْ ذَاكَ، لَكِنْ أَخْبَرَتْنِي ابْنَتُهُ زَيْنَبُ زَوْجَتِي أَنَّهُ لَمَّا أَذَّنَ الظُّهْرُ تَغَيَّرَ ذِهْنُهُ قَلِيلًا، فَقَالَتْ: يَا أَبَتِ، أَذَّنَ الظُّهْرُ، فَذَكَرَ اللَّهَ، وَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ. فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَجَعَلَ يَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ حَتَّى جَعَلَ لَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ، ثُمَّ قُبِضَتْ رُوحُهُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ السَّبْتِ ثَانِيَ عَشَرَ صَفَرٍ، فَلَمْ يُمْكِنْ تَجْهِيزُهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ يَوْمَ الْأَحَدِ ثَالِثَ عَشَرَ صَفَرٍ، غُسِّلَ صَبِيحَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكُفِّنَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَحَضَرَ الْقُضَاةُ، وَالْأَعْيَانُ، وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَخُرِجَ بِجَنَازَتِهِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ، وَخَرَجَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ أُلْطُنْبُغَا وَمَعَهُ دِيوَانُ السُّلْطَانِ، وَالصَّاحِبُ، وَكَاتِبُ السِّرِّ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ خَارِجَ بَابِ النَّصْرِ، أَمَّهُمْ عَلَيْهِ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، فَدُفِنَ هُنَاكَ إِلَى جَانِبِ زَوْجَتِهِ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ الْحَافِظَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ، عَائِشَةَ بِنْتِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ صِدِّيقٍ، غَرْبِيَّ قَبْرِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَةَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ، وَقَدْ تَرْجَمْتُهُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ " الْبُخَارِيِّ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>