للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ فِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْهُ {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود: ٤٨] . وَفِيمَا ذَكَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ نُوحًا قَائِلًا لَهُ: اخْرُجْ مِنَ الْفُلْكِ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ وَبَنُوكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ، وَجَمِيعُ الدَّوَابِّ الَّتِي مَعَكَ، وَلِتَنْمُوَا وَلِتَكْثُرُوا فِي الْأَرْضِ، فَخَرَجُوا، وَابْتَنَى نُوحٌ مَذْبَحًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَخَذَ مِنْ جَمِيعِ الدَّوَابِّ الْحَلَالِ وَالطَّيْرِ الْحَلَالِ فَذَبَحَهَا قُرْبَانًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ لَا يُعِيدَ الطُّوفَانَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَجَعَلَ تَذْكَارَ الْمِيثَاقِ إِلَيْهِ الْقَوْسُ الَّذِي فِي الْغَمَامِ، وَهُوَ قَوْسُ قُزَحَ الَّذِي قَدَّمْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَمَانٌ مِنَ الْغَرَقِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ قَوْسٌ بِلَا وَتَرٍ. أَيْ ; أَنَّ هَذَا الْغَمَامَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ طُوفَانٌ كَأَوَّلِ مَرَّةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَقَدْ أَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْ جَهَلَةِ الْفُرْسِ وَأَهْلِ الْهِنْدِ، وُقُوعَ الطُّوفَانِ، وَاعْتَرَفَ بِهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ. وَقَالُوا: إِنَّمَا كَانَ بِأَرْضِ بَابِلَ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْنَا. قَالُوا: وَلَمْ نَزَلْ نَتَوَارَثُ الْمُلْكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ مِنْ لَدُنْ كُيُومُرْثَ يَعْنُونَ آدَمَ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا. وَهَذَا قَالَهُ مَنْ قَالَهُ مِنْ زَنَادِقَةِ الْمَجُوسِ عُبَّادِ النِّيرَانِ، وَأَتْبَاعِ الشَّيْطَانِ. وَهَذِهِ سَفْسَطَةٌ مِنْهُمْ، وَكُفْرٌ فَظِيعٌ، وَجَهْلٌ بَلِيغٌ، وَمُكَابَرَةٌ لِلْمَحْسُوسَاتِ، وَتَكْذِيبٌ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ. وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ النَّاقِلُونَ عَنْ رُسُلِ الرَّحْمَنِ مَعَ مَا تَوَاتَرَ عِنْدَ النَّاسِ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ عَلَى وُقُوعِ الطُّوفَانِ، وَأَنَّهُ عَمَّ جَمِيعَ الْبِلَادِ، وَلَمْ يُبْقِ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ كَفَرَةِ الْعِبَادِ ; اسْتِجَابَةً لِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ الْمُؤَيِّدِ الْمَعْصُومِ، وَتَنْفِيذًا لِمَا سَبَقَ فِي الْقَدَرِ الْمَحْتُومِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>