للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُلَيْمَانُ: مَا أَعْجَبَكَ!! فَقَالَ عُمَرُ: أَعْجَبُ مِنِّي مَنْ عَرَفَ اللَّهَ فَعَصَاهُ، وَمَنْ عَرَفَ الشَّيْطَانَ فَأَطَاعَهُ.

وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ سُلَيْمَانُ وَعُمَرُ بِعَرَفَةَ وَجَعَلَ سُلَيْمَانُ يَعْجَبُ مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَؤُلَاءِ رَعِيَّتُكَ الْيَوْمَ وَأَنْتَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ غَدًا. وَفِي رِوَايَةٍ: وَهُمْ خُصَمَاؤُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَبَكَى سُلَيْمَانُ وَقَالَ: بِاللَّهِ أَسْتَعِينُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَصَابَهُمْ فِي بَعْضِ الْأَسْفَارِ رَعْدٌ شَدِيدٌ وَبَرْقٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَعَلَ عُمَرُ يَضْحَكُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: أَتَضْحَكُ وَنَحْنُ فِيمَا تَرَى؟ فَقَالَ: نَعَمْ، هَذِهِ آثَارُ رَحْمَتِهِ وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَكَيْفَ بِآثَارِ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ؟

وَذَكَرَ الْإِمَامُ مَالِكٌ أَنَّ سُلَيْمَانَ وَعُمَرَ تَقَاوَلَا مَرَّةً، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ فِي جُمْلَةِ الْكَلَامِ: كَذَبْتَ. فَقَالَ: تَقُولُ لِي: كَذَبْتَ؟ وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ مُنْذُ عَرَفْتُ أَنَّ الْكَذِبَ يَضُرُّ أَهْلَهُ. ثُمَّ هَجَرَهُ عُمَرُ وَعَزَمَ عَلَى الرَّحِيلِ إِلَى مِصْرَ، فَلَمْ يُمَكِّنْهُ سُلَيْمَانُ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ فَصَالَحَهُ، وَقَالَ لَهُ: مَا عَرَضَ لِي أَمْرٌ يَهُمُّنِي إِلَّا خَطَرْتَ عَلَى بَالِي.

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَفَاةُ، أَوْصَى بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَانْتَظَمَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>