للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِيعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ بِهَا، وَبَعَثَ إِلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الْوَزِيرِ لِيَبْعَثَ بِهَا إِلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُ فَأَرْسَلَ الرَّشِيدُ يُؤَنِّبُهُ، وَيَقُولُ: أَلَيْسَ فِي بَيْتِ مَالِي مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ؟ ! وَأَلَحَّ فِي طَلَبِهَا، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ: أَرْسِلُوهَا إِلَيْهِ دَرَاهِمَ لِيَسْتَكْثِرَ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ يَرُدُّ الْجَارِيَةَ. فَبَعَثُوا بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ دَرَاهِمَ، وَوَضَعُوهَا فِي طَرِيقِ الرَّشِيدِ، وَهُوَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِهَا رَأَى كَوْمًا مِنْ دَرَاهِمَ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ثَمَنُ الْجَارِيَةِ. فَاسْتَكْثَرَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِخَزْنِهَا عِنْدَ بَعْضِ خَدَمِهِ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ، وَأَعْجَبَهُ جَمْعُ الْمَالِ فِي حَوَاصِلِهِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي تَتَبُّعِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا الْبَرَامِكَةُ قَدِ اسْتَهْلَكُوهُ، فَجَعَلَ يَهُمُّ بِأَخْذِهِمْ تَارَةً وَيُحْجِمُ أُخْرَى، حَتَّى كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي سَمَرَ عِنْدِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الْعُودِ. فَأَطْلَقَ لَهُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَذَهَبَ إِلَى الْوَزِيرِ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ، فَمَاطَلَهُ بِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي فِي السَّمَرِ عَرَّضَ أَبُو الْعُودِ فِي ذَلِكَ لِلرَّشِيدِ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:

وَعَدَتْ هِنْدٌ وَمَا كَادَتْ تَعِدْ ... لَيْتَ هِنْدًا أَنْجَزَتْنَا مَا تَعِدْ

وَاسْتَبَدَّتْ مَرَّةً وَاحِدَةً ... إِنَّمَا الْعَاجِزُ مَنْ لَا يَسْتَبِدْ

فَجَعَلَ الرَّشِيدُ يُكَرِّرُ قَوْلَهُ:

إِنَّمَا الْعَاجِزُ مَنْ لَا يَسْتَبِدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>