للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيُدْرِكُوا الْحَجَّ، فَلَمَّا جَلَسَا بَيْنَ يَدَيْهِ قَرَآ جَمِيعًا عَشْرًا بِأَصْوَاتٍ هَائِلَةٍ مَطْبُوعَةٍ، فَأَدْهَشَهُ ذَلِكَ وَأَعْجَبَهُ جِدًّا، وَقَالَ لَهُمَا: كَيْفَ عَيْشُكُمَا بِبَغْدَادَ؟ فَقَالَا: بِخَيْرٍ، لَا يَزَالُ النَّاسُ يُكْرِمُونَنَا وَيَبْعَثُونَ إِلَيْنَا بِالذَّهَبِ وَالدَّرَاهِمِ وَالتُّحَفِ، فَقَالَ: هَلْ أَطْلَقَ لَكُمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ؟ فَقَالَا: لَا، وَلَا أَلْفَ دِينَارٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؟! ، قَالَ: فَإِنِّي أُطْلِقُ لَكُمَا أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ. فَأَطْلَقَ بِسَبَبِهِمَا الْحَجِيجَ، فَلَمْ يَعْرِضْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَذَهَبَ النَّاسُ، وَهُمْ سَالِمُونَ شَاكِرُونَ لِذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ الْمُقْرِئَيْنِ. وَلَمَّا وَقَفَ النَّاسُ بِعَرَفَاتٍ قَرَأَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ قِرَاءَةً عَظِيمَةً عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ، فَضَجَّ النَّاسُ مِنْ سَائِرِ الرُّكُوبِ لِقِرَاءَتِهِمَا، وَقَالُوا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مَعَكُمْ بِهَذَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يُصَابَا جَمِيعًا، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَخْرُجُوا بِأَحَدِهِمَا، فَإِذَا أُصِيبَ سَلِمَ الْآخَرُ. وَكَانَتِ الْحُجَّةُ وَالْخُطْبَةُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا لِلْمِصْرِيِّينَ كَمَا هِيَ لَهُمْ مِنْ سِنِينَ مُتَقَدِّمَةٍ.

وَقَدْ كَانَ أَمِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ سَرِيعًا إِلَى بَغْدَادَ عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّتِي جَاءُوا مِنْهَا، وَأَنْ لَا يَسِيرَ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ ; خَوْفًا مِنَ الْأَعْرَابِ، وَكَثْرَةِ الْخِفَارَاتِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، فَوَقَفَ هَذَانِ الْقَارِئَانِ عَلَى جَادَّةِ الطَّرِيقِ الَّتِي مِنْهَا يُعْدَلُ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَقَرَآ {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة: ١٢٠] الْآيَاتِ. فَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ، وَأَمَالَتِ النُّوقُ أَعْنَاقَهَا نَحْوَهُمَا، فَمَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>