للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشرنا في التمهيد إلى أن أعظم شبهة عند المنكرين للبعث، هي شبهة الاستبعاد، فقد قالوا: كيف يمكن إعادة الأجسام إلى حالتها الطبيعية التي كانت عليها، بعد أن صارت ترابا؟؟ ذلك أمر غير معقول عندهم.

وفي النموذج التالي عرض لهذه الشبهة، وبيان لإنكارهم وتعجبهم ممن يؤمنون بالبعث، ثم دحض لتلك الشبهة، وبيان لزيفها بالأدلة الواضحة البينة المشهودة.

يقول الله تعالى حاكيا عن المشركين استبعادهم وقوع البعث بعد الموت، وعدم

إمكانه، وتعجبهم من شأنه وشأن القائل به:

{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} .

{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} .

{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيد} (ق. آية ا- ٣) .

يقسم تبارك وتعالى بالقرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي هو تنزيل من حكيم حميد، وجواب القسم هو مضمون الكلام الآتي بعد القسم، وهو إثبات النبوة، وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه [٢] ، ثم يحكي تعجب المشركين من أن يأتيهم منذر منهم، أي بشر من جنسهم، ولم يكون من جنس آخر كالملائكة مثلا؟

ثم يتبع ذلك بما هو أعجب عندهم من دعوى النبوة، وهو إخبار الرسول لهم، بأن بعد هذه الحياة الدنيا حياة أخرى، وهي بعثهم من قبورهم أحياء، مرة ثانية، للحساب والجزاء على الأعمال الكائنة منهم في تلك الحياة الماضية، إذ كيف يمكن وقوع ذلك الحساب بعد ما تمزقت الأجسام وتفرقت بحيث أصبحت ترابا؟؟.

إن القول برجعة تلك الأجسام مرة أخرى أمر مستبعد، ومستحيل في اعتقادهم،

{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيد} .

لكن هذه الاستحالة وذلك الاستبعاد الذي يعبرون عنه بالنسبة لمن؟؟