للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرسل القاضي الفاضل هذه الرسالة إلى حسام الدين بن لاجين [٢١] , وهو يستهل الرسالة بآية يشكر فيها ربه ٠, على ما أنعم به من فتح هذه المدينة , وعلى أنها خلت من مشركيها وكفارها , الذين كانوا يحتلونها , فقد نصبت أعلام الإسلام على أبراجها وأسوارها, وكبر المكبرون والمؤذنون في أقطار أرجائها , وزالت سمة الصلبان عن جهاتها وأنحائها , ورحل الناقوس عن فنائها , وعوض جامعها منها بمنبره [٢٢] .

فقد اجتمع السلطان صلاح الدين بأخيه الملك العادل وولده العزيز عثمان على عسقلان في ١٦ جمادى الآخرة ٥٨٣ هـ = ١١٨٧ م , وضرب عليها الحصار , حتى سلمت يوم ٢٥ جمادى الآخر = ٧ سبتمبر , وخرج أهلها بأموالهم سالمين إلى بيت المقدس , بعد حصار دام أربعة عشر يوما [٢٣] .

ويشبه القاضي الفاضل فتحها على يد السلطان صلاح الدين , بفتحها على يد عمر بن الخطاب أمير المؤمنين , فإنه لما دنت منها جيوش الإسلام الناصرية , فر الصليبيون فرار النمل خوفا وفزعا , ولجأوا إلى الانحصار خلف الجدار , فماذا حدث؟ ويقول: نصبنا عليهم حينئذ آلات القتال , وأذقناهم من طعم الطعن الشديد الوبال , وأنزلنا عليهم غاشية [٢٤] من عذاب الله لا تسترك ولا تستقال. [٢٥]

ثم أخذت جنود الملمين تثقب في عقبتها حتى هدمت وانمحت , وخربت الأبراج , واستباحت الحصن الذي كان حصينا , وطالما أعجز الأيام والأنام قهره.

وهنا يلجأ الصليبيون إلى المصالحة وطلب الأمان , ويقبل المسلمون الصلح صيانة للمدينة من تخريب الناهبين , وحفظا لأبناء المسلمين.

وكعادة القاضي الفاضل في رسائله عن الانتصارات الحربية يمدح الإسلام والمسلمين المنتصرين , ويذم الكفر والصليبيين المنهزمين , ويجنح إلى الاستعارة كقوله: "فما زالت سهامها تركع , وأحجارها تسجد " [٢٦] .