للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم يبين- سبحانه- الأسباب التي أدت بالناس إلى التفرق في أحكام الدين الحق، فقال - تعالى-: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُم ... } .

أي: وما تفرق هؤلاء السابقون بعد موت أنبيائهم {إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْم} الدال على صدق هؤلاء الأنبياء، وكان الدافع لهم على هذا التفرق والاختلاف، هو البغي والحسد وتجاوز الحدود التي شرعها الله- تعالى.

وقوله: {إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} وهو زيادة في تقبيح أفعالهم، فإن الاختلاف بعد مجيء العلم أشد في القبح والعناد.

فهم قد اختلفوا في الحق مع علمهم بأنه حق، لأن العلم كالمطر، فكما أن المطر لا تستفيد منه إلا الأرض الطيبة النقية، فكذلك العلم لا ينتفع به إلا أصحاب النفوس الصافية، والقلوب الواعية، والأفئدة المستقيمة.

وبذلك نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين، قد بينتا للناس، أن جميع الأنبياء قد دعوا أقوامهم إلى عبادة الله – تعالى- وحده، وإلى اجتناب التفرق والاختلاف في أحكام الدين، التي أجمعت عليها الشرائع الإلهية، والتي لا يترتب على الاختلاف فيها سوى الفساد والخسران.

خامساً: لقد ذكَّر القرآن الكريم المؤمنين في كثير من آياته، بسوء عاقبة الاختلاف والتنازع، وحذرهم من طاعة أعدائهم، وحرضهم على الاعتصام بحبل الله - تعالى-، وعلى التآلف والتضامن فيما بينهم، وهذه بعض الأمثلة لذلك:

أ- في أعقاب غزوة بدر، تطلع بعض الناس إلى الغنائم، واختلفوا في شأن تقسيمها، فنزل قوله- تعالى-: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ] الأنفال: ا [.