للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرسل أبو عبيدة رسالته مع رسول من المسلمين يرافقه وفد من أهل القدس أرسلهم صفرونيوس. وذكر أن أشد ما أثار دهشة وفد النصارى أن رسول أبي عبيدة أخذ يسأل عن مكان الخليفة حتى وجده مستلقيا من الحر، فقدم إليه وفد أهل القدس رسالة أبي عبيدة، وجلس الرسول بجانبه ببساطة العربي وأخوة الإسلام يصف له أحوال المسلمين ويبلغه سلامهم، في حين وقف وفد أهل القدس وهو لا يَكاد يصدق، أن حاكم المسلمين الذين دَوَّخوا دولتي الفرس والروم، ليس له مقر معروف، ولا حرس ولا حجاب، وإنه في مثل هذا الحال من البساطة في المظهر والمعاملة.

وهنا يلجأ عمر بن الخطاب لاستشارة الصحابة كدأبه في مثل هذه الأحوال، فيشير عليه بعضهم بالخروج ويشير بعض آخر بعدم الخروج. ولكنه يفضل الخروج رغم مشاق السفر، ويستخلف على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويصطحب خادمه وبعض أصحابه منهم عبادة بن الصامت، والزبير بن العوام، والعباس بن عبد المطلب [١٠] .

وتبدو البساطة واضحة في تجهيزاته للخروج، فيركب بعيره الأحمر، ويضع عليه غرارتين في أحدهما سويق، وفي الآخر تمر، ويضع بين يديه قربة ماء ويخلفه جفنة زاد. كل ذلك أمام وفد أهل القدس ودهشتهم.

ومن تواضعه أنه عندما وصل إلى مشارف بلاد الشام، استقبله المسلمون بالرايات والسيوف والخيول وعلى رأسهم أبو عبيدة. وأقبل أبو عبيدة على الخليفة عندما رآه مسلما عليه ومحاولاً أن يقبل يده تعظيماً له، ثم تعانقا، وقيل إن المسلمين قدّموا لعمر برذوناً وثياباً بيضاء ليكون مظهره مهيباً، في قلوب الروم، ولكنه رفض الثياب وركب البرذون، فهملج به البرذون، فنزل عنه مسرعاً وركب بعيره وقال: "لقد غيّرني هذا حتى كدت أتغير وأنس نفسي " [١١] .