للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروي أن عمر بن الخطاب وهو في طريقه من المدينة إلى القدس، عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع جرموقيه وأمسكها بيديه وخاض الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: "لقد صنعت اليوم صنعا عظيماً عند أهل الأرض "فما كان من عمر إلا أن صك أبا عبيدة في صدره قائلاً: "لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام" [١٢] .

وزاد من دهشة النصارى أن عمر بن الخطاب عندما اقترب من القدس كان يركب ركوبة غلامه، وكان غلامه يركب جمله الأحر [١٣] ، فعندما رآه أهل القدس يركب حماراً صغيراً، وقيل كان ماشياً والخادم يركب جملاً أحمر، أكبروه وسجدوا له، فقال: "لا تسجدوا للبشر واسجدوا لله ". فتعجب القسيسون والرهبان من ذلك وقالوا: "ما رأينا أحداً قط أشبه في وصف الحواريين من هذا الرجل " [١٤] . وقال صفرونيوس باكياً "إن دولتكم باقية على الدهر، فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة" [١٥] .

كما تجلى حرصه على أموال النصارى في تصرفه- لدى وصوله القدس- عندما علم بأن المسلمين قد استولوا على كرم من العنب يقع قرب المدينة، وكان تحت يد الروم وقد غلبهم المسلمون عليه، وكان الكرم لرجل من النصارى، فأخذ المسلمون يأكلون من عنب ذلك الكرم، فأسرع النصراني إلى عمر بن الخطاب شاكياً، فدعا عمر ببرذون له فركبه عرياناً من العجلة، ثم خرج يركض به ليردّ المسلمين عن الكرم، فلقي في طريقه أبا هريرة يحمل فوق رأسه عنباً، فقال له الخليفة عمر: "وأنت أيضا يا أبا هريرة؟ ". فقال أبو هريرة: "يا أمير المؤمنين، أصابتنا مخمصة شديدة، فكان أحق من أكلنا من ماله من قاتلنا". وعند ذلك استدعى عمر رضي الله عنه صاحب الكرم، وطلب منه أن يقدر ثمن محصوله، لأن الناس كانوا قد أكلوه، فقدره الذمي، ودفع له عمر ثمنه، فما كان من الذمي إلا أن أسلم [١٦] .