للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثالث هذه الصفات: التوكل على الله دون سواه {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فإيمان العبد بأن الله حي لا يموت، وأنه لا يخرج شيء عن سلطانه وقهره وتدبيره، وأن شيئا لا يكون إلا بإذنه ومشيئته، وأنه لا يملك عطاء ولا منعا سواه، ولا ضرا ولا نفعا غيره، وإيمان العبد بهذا يحتم عليه التوكل على الله دون سواه {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوت} , وبعدم التوكل على الله تعالى يكون العبد عرضة لنفي الإيمان عنه، إذ من حقيقة الإيمان بالله تعالى وصفاته التوكل عليه دون غيره. هذا وما هو التوكل؟ التوكل: صفة تفويض إنجاح المساعي, وإثمار الأعمال وإنتاج المقدمات إلى الله تعالى، إذ هو الذي يملك ذلك على الحقيقة دون غيره من خلقه، وثمرة التوكل العاجلة الإقدام على العمل في حزم، وإتيان الأسباب في غير توان، ووضع المقدمات في غير حيرة ولا تردد، مع طمأنينة القلب، وهدوء البال، واستراحة الضمير، فلا قلق للمتوكل على الله، ولا مخاوف تنتابه في الحياة، يؤمر بالجهاد فيرمي بنفسه في معاركه ومعامعه في غير هيبة ولا وجل، يكفر بذره في التربة ولا يفكر في الحصاد، ويضع رجله في الفرز أو على درجة سلم الطائرة وهو مسافر بإذن الله ولا يفكر في الوصول غايته ومنتهاه، إذ ذاك ليس له، وإنما هو لله، والله قد أمر العبد وقد فعل، فلم إذن يفكر العبد في غير ما هو له، وإنما هو لله.

هذه بعض ثمرات التوكل: عمل، وأمل، وهدوء بال وطمأنينة خاطر. وأما غير المتوكلين فلا تسأل عن مدى المخاوف التي تنتابهم والقلق والحيرة والهم الذي يصيبهم في كل ساعة من ساعات حياتهم، وقد يقعد بأحدهم خوفه من عدم تحقيق الهدف أو الوصول إلى الغاية ما يقعد به عن العمل مرة واحدة، فتمشي عليه الحياة وتخلفه مواكبها ملوما محسورا.