للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثالثا: مناظراته العلمية للعلماء وانتصاره فيها عليهم:

ويمكن التمثيل لهذه المناظرات بالصور الآتية:

(١) اجتمع أبو العباس بن سريج وأبو بكر محمد بن داود الظاهري فاحتج أبو بكر على أن أم الولد تباع إذ قال: "أجمعنا إنها كانت أمة تباع، فمن ادعى أن هذا الحكم يزول بولادتها فعليه الدليل". فقال له أبو العباس بن سريج: "وأجمعنا على أنها لما كانت حاملا لا تباع فمن ادعى أنها تباع إذا انفصل الحمل فعليه الدليل". فبهت أبو بكر الظاهري.

(٢) كان العباس بن سريج وأبو بكر محمد بن داود الظاهري إذا حضرا مجلس القاضي أبي عمر محمد بن يوسف لم يجر بين اثنين فيما يتفاوضانه أحسن مما يجرى بينهما. وكان ابن سريج كثيرا ما يتقدم أبا بكر في الحضور في المجلس. فتقدمه أبو بكر فسأله: "حدث من الشافعيين عن العَود الموجب في الظهار ما هو؟ ".

فقال: "إنه إعادة القول ثانيا": وهو مذهبه، ومذهب داود فطالبه بالدليل: فشرع فيه، ودخل ابن سريج، فاستشرحهم ما جرى فشرحوه فقال ابن سريج لابن داود: "يا أبا بكر أعزك الله هذا قول مَن مِن المسلمين تقدمكم فيه". فاستشاط أبو بكر من ذلك. وقال: "أتقدر أن من اعتقدت أن قولهم إجماع في هذه المسألة. إجماع عندي. أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافا وهيهات أن يكونوا كذلك". فغضب ابن سريج وقال: "إئت يا أبا بكر بكتاب "الزهرة "أمهر منك في هذه الطريقة". فقال أبو بكر: "وبكتاب "الزهرة تعيرني؟ والله ما تحسن تستتم قراءته قراءة من يفهم، وإنه لمن أحد المناقب إلا كنت أقول فيه:

وأمنع نفسي أن تنال محرما

أكرر في روض المحاسن مقلتي

فلولا اختلاس رده لتكلما

وينطق سرى عن مترجم خاطري

فما أن أرى حبا صحيحا مسلما"

رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم

فقال له ابن سريج: "أو علي تفخر بهذا أم القول وأنا الذي أقول:

قد بت أمنعه لذيذ سنائه

وماهر بالفتح من لحظاته

وأكرر اللحظات في وجناته

ضنا بحسن حديثه وعتابه

ولى بخاتم ربه وبداته"