للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن القواس: "وإنما لزمت الفاء لأنه لما امتنع تأثير أداة الشرط في هذه الأمور أُتي بالفاء للربط توصلاً إلى المجازاة بها، وكانت الفاء دون الواو، لأن معناها التعقيب من غير مهلة، والجزاء يجب عقيب الشرط".

وقد اختُلف في حذف هذه الفاء من جواب الشرط إذا كان شيئاً مما تقدم على ثلاثة مذاهب:

الأول: مذهب جمهور النحويين وهو أنه لا يجوز حذفها إلا في الضرورة، ويمتنع في سعة الكلام.

وممن نصَّ على هذا سيبويه، والصيمري، وابن عصفور، وابن مالك، وأبو حيان، وابن هشام.

الثاني: المنع مطلقاً في الضرورة والاختيار. نقله أبوحيان عن بعض النحويين.

ومذهب ابن الناظم - وتبعه الأزهري - أنه يجوز ترك هذه الفاء في الضرورة أو في الندور، ومثَّل للندور بما أخرجه البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأُبيّ بن كعب لما سأله عن اللقطة: "فإن جاء صاحُبها وإلاَّ استمتع بها"، أي فإن جاء صاحبها فردها إليه وإن لم يجيء فاستمتع بها.

والمذهب الأول هو الراجح لدي. أمَّا ما ورد في الحديث فقد أخرجه البخاري مرتين، الأولى بإثبات الفاء: "وإلا فاستمتع بها" وكذا في صحيح مسلم في كتاب "اللقطة"، والترمذي في كتاب "الأحكام".

والأخرى برواية: "وإلا استمتع بها"بإسقاط الفاء.

أما حذف جواب الشرط فيجوز إذا كان ثمَّ قرينة نحو قوله تعالى: {وَإنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إعْراضُهُمْ} (١) ، تقديره: فافعل. وقوله: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} (٢) أي تطيرتم.

وهو كثير في لسان العرب عندما يدل دليل على حذفه نحو: "أنت ظالم إن فعلت"تقديره: أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم.

قال ابن مالك في الألفية:

والشرطُ يغني عن جواب قد عُلم

واشترط البصريون، والفراء لحذف الجواب مع وجود الدليل مضيَّ الشرط لفظاً أو معنى.


(١) من الآية ٣٥ من سورة الأنعام.
(٢) من الآية ١٩ من سورة يس.