للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجواب أن موسى- عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- لم يسأل زوال ما كان بلسانه بالكلية وإنما سأل زوال القدر المانع من أن يفقهوا قوله كما يدل عليه قوله: {يَفْقَهُوا قَوْلِي} . قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} ما نصه: وما سأل أن يزول ذلك بالكلية بل بحيث يزول العي ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة ولو سأل الجميع لزال, ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة ولهذا بقيت بقية, قال تعالى إخبارا عن فرعون أنه قال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} أي يفصح بالكلام. قال الحسن البصري: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} قال:"حل عقدة واحدة ولو سأل أكثر من ذلك أعطى"وقال ابن عباس:"شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه؛ فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون ردءا له ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه فأتاه سؤله فحل عقدة من لسانه", وقال ابن أبي حاتم: "ذكر عن عمر بن عثمان حدثنا بقية عن أرطأة بن المنذر حدثني بعض أصحاب محمد بن كعب عنه قال: أتاه ذو قرابة له فقال له: ما بك بأس لولا أنك تلحن في كلامك ولست تعرب في قراءتك فقال القرظي: يا ابن أخي ألست أفهمك إذا حدثتك؟ قال نعم, قال: فإن موسى عليه السلام إنما سأل ربه أن يحل عقدة من لسانه كي يفقه بنو إسرائيل قوله ولم يزد عليها". انتهى كلام ابن كثير بلفظه وقد نقل فيه عن الحسن البصري وابن عباس ومحمد بن كعب القرظي ما ذكرنا من الجواب ويمكن أن يجاب أيضا بأن فرعون كذب عليه في قوله: {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} كما كذب على الله في إدعاء الربوبية وأن قوله: {هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} يدل على اشتراكه مع هارون في الفصاحة فكلاهما فصيح إلا أن هارون أفصح وعليه فلا إشكال والعلم عند الله تعالى.