للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ضرب أبو إسحاق الشاطبي أمثلة توضّح ما ذكره ثانيا، نذكر بعضها فيما يلي:

أ - "روى ابن وهب عن بكير، أنه سأل نافعا كيف كان رأي ابن عمر في الحروريّة؟ (١) ، قال: "يراهم شرار خلق الله إنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين".

ب - "ورُوي أن مروان أرسل بوابه إلى ابن عباس، وقال: قل له: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا، لنُعذبن أجمعون. فقال ابن عباس: مالكم ولهذه الآية؟ إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إيَّاه، وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه، بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم، ثم قرأ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب ... } إلى قوله: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} (٢) فهذا السبب بيَّن أن المقصود من الآية غير ما ظهر لمروان".

ج - "ورُوي أن عمر استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، فقدم الجارود على عمر فقال: إن قدامة شرب فسكر. فقال عمر: من يشهد على ما تقول؟. قال الجارود: أبو هريرة يشهد على ما أقول. وذكر الحديث، فقال عمر: يا قدامة إني جالدُك. قال: والله لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني. قال عمر: ولم؟. قال: لأن الله يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} (٣) الخ. فقال عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله ".


(١) الحرورية هم الخوارج. انظر الفرق بين الفرق ص (٧٥) . وسموا بالحروريّة لأنهم نزلوا مكان-ايسمّى بذلك. انظر فتح الباري (١٢/٢٨٤) .
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٨٧ - ١٨٨. والحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (٨/٢٣٣) كتاب التفسير، باب {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} ح (٤٥٦٨) .
(٣) سورة المائدة، الآية: ٩٣.