للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضا فإن جميع ما يحكى فيه من شرائع الأوّلين وأحكامهم، ولم ينبه على إفسادهم وافترائهم فيه فهو حق، يجعل عمدة عند طائفة في شريعتنا ويمنعه قوم، لا من جهة قدح فيه، ولكن من جهة أمر خارج عن ذلك، فقد اتفقوا على أنه حق وصدق كشريعتنا، ولا يفترق ما بينهما إلاّ بحكم النسخ فقط".

"ومن أمثلة هذا القسم: جميع ما حُكي عن المتقدمين من الأمم السالفة مما كان حقا، كحكايته عن الأنبياء والأولياء، ومنه قصة ذي القرنين، وقصة الخضر مع موسى عليه السلام، وقصة أصحاب الكهف، وأشباه ذلك".

المبحث الثالث: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في منهج القرآن الكريم في الترغيب والترهيب

قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي:"إذا ورد في القرآن الترغيب قارنه الترهيب، في لواحقه أو سوابقه أو قرائنه وبالعكس، وكذلك الترجية مع التخويف، وما يرجع إلى هذا المعنى مثله، ومنه ذكر أهل الجنة يقارنه ذكر أهل النار، وبالعكس؛ لأن في ذكر أهل الجنة بأعمالهم ترجية، وفي ذكر أهل النار بأعمالهم تخويفا، فهو راجع إلى الترجية والتخويف.

ويدل على هذه الجملة عرض الآيات على النظر فأنت ترى أن الله جعل الحمد فاتحة كتابه، وقد وقع فيه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (١) إلى آخرها. فجيء بذكر الفريقين.

ثم بدئت سورة البقرة بذكرهما أيضا، فقيل: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} (٢) ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (٣) ، ثم ذُكِرَ بإثرهم المنافقون وهم صنف من الكفار، فلما تم ذلك أعقب الأمر بالتقوى، ثم بالتخويف بالنار، وبعده بالترجية فقال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ}

إلى قوله: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} (٤) الآية".


(١) سورة الفاتحة، الآية: ٦، ٧.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٦.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢٤، ٢٥.