للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢- وفريق آخر يشترط لكي تعد الكلمتان من الإبدال تقارب الصوتين، أي: وجود علاقة صوتية بينهما تسوغ إحلال أحدهما محل الآخر، كقول الأصمعي: "النغر والمغر. الميم بدل من النون لمقاربتها في المخرج". وقد نص على ذلك صراحة أبو علي الفارسي في قوله: "القلب في الحروف إنما هو فيما تقارب منها، وذلك: الدال والطاء والتاء، والذال والظاء والثاء، والهاء والهمزة، والميم والنون، وغير ذلك مما تدانت مخارجه. فأما الحاء فبعيدة من الثاء، وبينهما تفاوت يمنع من قلب إحداهما إلى أختها".

وكان تلميذه ابن جني يرى -كذلك - أن الإبدال لا يقع إلا في الأصوات المتقاربة المخارج.

وقال ابن سيده: "ما لم يتقارب مخرجاه ألبتّة فقيل على حرفين غير متقاربين فلا يسمى بدلاً، وذلك كإبدال حرف من حروف الفم من حرف من حروف الحلق".

وفي عبارة موجزة علل الأزهري حدوث الإبدال في لغات العرب بقوله: إذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في اللغات".

وقد وصل هذا الخلاف إلى المعاصرين، فمنهم من يرى إمكانية حدوث الإبدال في جميع أصوات العربية سواء فيما تقارب منها مخرجًا وصفة، أو ما تقارب صفة وتباعد مخرجًا. ومن أشهر القائلين بهذا الرأي عبد الله أمين في كتابه (الاشتقاق) .

ومنهم من يقول بوجوب التقارب بين الصوتين، ومن هؤلاء الدكتور إبراهيم أنيس الذي يقول: "حين نستعرض تلك الكلمات التي فُسرت على أنها من الإبدال حينًا، أو من تباين اللهجات حينًا آخر، لا نشك لحظة في أنها جميعًا نتيجة التطور الصوتي ... غير أنه في كل حالة يشترط أن نلحظ العلاقة الصوتية بين الحرفين المبدل والمبدل منه. ودراسة الأصوات كفيلة بأن توقفنا على الصلات بين الحروف وصفات كل منها. أي: أن القرب في الصفة والمخرج شرط أساسي في كل تطور صوتي".

ونحن في بحثنا هذا سنأخذ برأي الفريقين في تفسير ظواهر الإبدال في لغات الأزد، سواء ما كان منها في الحروف (الصوامت) أو الحركات (الصوائت) .