للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

.. أما أدلة كل من أصحاب القول الثاني والثالث فلا تدل دلالة صريحة على منع قتل الجماعة بالواحد، وإنما غاية ما فيها أنه لا يؤخذ بالنفس أكثر من مثلها. وهذا على التسليم بأن أل الموجودة في لفظ النفس والحر في قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (١) و {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} (٢) ليس للجنس، وهو ما يرفضه المعارض، إضافة إلى أن القول بأن المراد بالسرف في قوله تعالى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} (٣) هو أن لا يقتل جماعة بواحد يحتاج إلى دليل.

... وإذا تقرر ما سبق فلم يبق إلا أدلتهم العقلية وهي أيضا لا تسلم من قادح يبطل بها الحجة.

... وبناء على ما تقدم يترجح لي القول بأن الجماعة تقتل بالواحد لما يلي:

عموم قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة} (٤) ذلك أن ما يتحقق بقتل الجماعة بالواحد من حكمة القصاص التي منها الزجر والردع عن القتل ما لا يتحقق في عدم قتلهم بحال، ولا في قتل واحد منهم فقط.

أنه يصدق على كل واحد من الجماعة المتمالئين على القتل أنه قاتل فيقتل لذلك (٥) .

أنه إذا تقرر أن الحد يقام على الجماعة بقذف الواحد كان قتلهم بقتل الواحد أولى؛ لأن حفظ النفس أشد ضرورة من حفظ العرض، وإن اشتركا في عناية الشريعة بحفظهما.

أن قياس القصاص على القذف في هذه المسالة أولى من قياسه على الدية؛ لاشتمال قياسه على هذا الأخير على الفارق، وسلامته من ذلك في قياسه على الأول.

ومعلوم أن اشتمال القياس على الفارق قادح من القوادح المانعة من صحة الاحتجاج به. والله تعالى أعلم.

المطلب الثاني

في اشتراك الجماعة في قتل النفس إذا كان كل واحد منهم لو انفرد بقتله لم يقتل به


(١) آية ٤٥ من سورة المائدة.
(٢) آية ١٧٨ من سورة البقرة.
(٣) أية ٣٣ من سورة الإسراء.
(٤) أية ١٧٩ من سورة البقرة.
(٥) انظر: أضواء البيان ٢/٩٦.