للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشاطبي: "وقد يقع الترك لوجوه... ومنها: الترك للمطلوب خوفاً من حدوث مفسدة أعظم من مصلحة ذلك المطلوب كما جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها -: "لولا أن قومك حديثٌ عهدهم بالجاهلية، فأخاف أن تُنكر قلوبهم أن أدخل الجدْر في البيت، وأن ألصِق بابه بالأرض". (١) فما منعه صلى الله عليه وسلم من إعادة بناء البيت الحرام على قواعد إبراهيم - عليه السلام - إلا خوف حدوث بلبلة بين العرب ومن أن يقولوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم يهدم المقدّسات ويغيّر معالمها. ولهذا قال الشاطبي: "فقد حذر السلف من التلبس بما يجر إلى المفاسد وإن كان أصله مطلوباً" (٢) وقال: "إن قاعدة سد الذرائع إنما عمل السلف بها بناء على هذا المعنى...كإتمام عثمان - رضي الله عنه - الصلاة في حجه بالناس (٣) وتسليم الصحابة له في عذره الذي اعتذر به من سد الذريعة" (٤) وقد قال لهم: "إني إمام الناس فينظر إليّ الأعراب وأهل البادية أصلي ركعتين، فيقولون: هكذا فرضت". (٥)


(١) رواه البخاري ٣/٤٣٩ بهذا اللفظ ومسلم ٩/٨٨، وروى نحوه النسائي ٥/٢١٥ وأحمد ٦/٥٧، ٢٣٩، وفي لفظ للبخاري ٣/٤٣٩: "لولا حداثة قومك لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام".
(٢) الموافقات ٣/٥٢٩.
(٣) إتمام عثمان - رضي الله عنه - ثابت في البخاري ٢/٥٦٣، ٥٦٩ و٣/٥٠٩ ومسلم ٥/٢٠٣ وأبي داود ٢/٤٩٢، ٤٩٣ والنسائي ٣/١٢٠ والدارمي ٢/٥٥ وأحمد ١/٤١٦، ٤٢٥، ٤٦٤.
(٤) انظر الموافقات ٤/٥٩، ٦٠.
(٥) رواه عبد الرزاق في المصنف ٢/٥١٨، ٥١٩ والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/٤٢٥ نحوه عن الزهري ورواه البيهقي في الكبرى ٣/١٤٤ من طريق عبد الرحمن بن حميد أن عثمان أتم بمنى ثم خطب.. وعن ابن جريج أن أعرابياً ناداه في منى: "يا أمير المؤمنين: ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين" قال الحافظ ابن حجر في الفتح ٢/٥٧١: "ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام".