للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [١٠] .

وما إن بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية حتى أخذ عتبة بفيه، وناشده الرحم أن يكفّ، ثم عاد الرجل إلى من وراءه بغير الوجه الذي جاء به، ونصح إليهم أن يخلوا بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ما هو فيه من الدعوة، ولكن هيهات، لقد رموه بأنه قد سُحر ...

وهكذا نرى أن علاقة المسلمين بغيرهم قد اتخذت في هذه المرحلة المكية شكلاً اقتضته طبيعة المرحلة التاريخية، وهو البيان، والصبر، والصمود، والاحتساب.

ثانياً: مرحلة ما بعد الهجرة:

لقد تغيرت ظروف الدعوة بعد الهجرة، وكان تغيرها من جهات عدة، لقد شعر المسلمون في دارهم الجديدة بأمن لم يعرفوه في المرحلة السابقة، وبعد الهجرة أذن لهم بالقتال، ثم فرض عليهم قتال من يقاتلهم، ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة فصدعوا بالأمر، وقاتلوا لأن القتال كان مما اقتضته ظروف الدعوة الجديدة، وليس معنى ذلك أن علاقة المسلمين بغيرهم صارت قتالاً صرفاً، بل بقيت كما كانت علاقة دعوة، بمعنى أنها تهدف إلى نشر الدعوة التي كلفوا نشرها بالوسائل الأكثر مناسبة للظروف المواجهة، ومع الإذن بالحرب، بل مع فرضها بقي المجال واسعاً للطرق الودية إذا كانت - هي - الأجدى على الدعوة.

لقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم بين أهل يثرب من المسلمين واليهود والمشركين معاهدة رائدة، يمكن أن توصف بأنها دستور لدولة المدينة التي ولدت بعد الهجرة، والتي أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم بحكم الواقع رجلها الأول، ثم جاءت هذه المعاهدة فأكدت ذلك، وقد اعتبر العام الباحث محمد حميد الله معاهدتنا هذه أول دستور مكتوب في العالم، وإليكم نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم