للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول في تأويل آية [٥] : حدثني أبو الجهجاه قال: سأل أبو عمرو المكفوف عن قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا} ؟ فقلت: إن تدبيرا يعجب منه نبي من الأنبياء ثم يعظم خطره حتى يضحكه لعجب! قال: فقال: ليس التأويل ما ذهبت إليه؛ فإنه قد يضحك النبي عليه السلام من الأنبياء من كلام الصبي ومن نادرة غريبة، وكل شيء يظهر من غير معدنه - كالنادرة تسمع من المجنون - فهو يضحك؛ فتبسم سليمان عندي على أنه استظرف ذلك المقدار من النملة، فهذا هو التأويل.

ويقول [٦] في تأويل قوله تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} : وليس أن الناس رأوا شيطانا قطّ على صورة، ولكن لما كان الله تعالى قد جعل في طباع جميع الأمم استقباح جميع صور الشياطين واستسماجه وكراهته، وأجرى على ألسنة جميعهم ضرب المثل في ذلك رجع بالإيحاش والتنفير وبالإخافة والتفزيع لما قد جعله الله في طباع الأولين والآخرين وعند جميع الأمم على خلاف طبائع جميع الأمم.

ويقول [٧] في تأويل قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} ، وقوله عزّ اسمه: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} : إنه قد يقال لهم ذلك وإن شربوا بتلك الأموال الأنبذة ولبسوا الحلل وركبوا الدواب؛ ولم ينفقوا منها درهما واحدا في سبيل الأكل، وقد قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} .

وقال الشاعر في أخذ السنين من أجزاء الخمر:

وتَبَقّى مُصاصَها المكنونا

أكل الدهر ما تجسم منها

وقال الشاعر:

يأكل منها بعضها بعضا

مرّت بنا تختال في أربع