للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وننتقل الآن إلى مناقشة المؤلف في أساس أحكامه. وطبيعي أن تكون مناقشته على ضوء الوحي الذي يلزم المؤمن بالخضوع له. وإخضاع رأيه لِحكمه ولو صدم ذلك هواه وخيَّب مناه.

إن منطلق الدكتور في أفكاره عن استقلالية عالم الجن عائد إلى تقديره لمبدأ الخلق، ونوعية العنصر الذي استُحدِث منه عالم المَلَك والجن.

لقد وقف المؤلف عند قوله تعالى من سورة الكهف: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ ... } فلم يستطع أن يتجاوز بالاستثناء حدود الاتصال بين فريقي الملائكة وإبليس. كما هو الحال في مثل قول أحدنا: جاء الأصدقاء إلا سعيداً، على اعتبار أن سعيدا واحد من جنس الأصدقاء. ونسي المدلول الآخر للاستثناء حين يكون منقطعا في مثل قول القائل جاء القوم إلا أمتعتهم.. وبخاصة عند وجود القرينة المانعة من وحدة الجنس كما هو الشأن في الآية الكريمة، إذ جاءت القرينة لفظية صريحة في قوله سبحانه {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} وهي ضرب من الإطناب الذي يفسره البلاغيون بقصد الاحتراس، لئلا يلتبس المستثنى منه بالمستثنى.. ثم تأتي القرينة الأخرى التي لا تدع مجالا لإدخال إبليس في زمرة الملائكة، وذلك في التوبيخ المخجل الذي يوجهه الحق تبارك اسمه إلى المغفلين من أبناء آدم الذين رضوا لأنفسهم بمشايعة إبليس على الرغم من رفضه المشاركة في تكريم أبيهم الأول، وإعلانه الحرب على نسله إلى يوم الدين {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ؟!} ففي نسبة الذرية لإبليس مقنع كاف لاعتباره جنسا آخر لا يمت إلى عالم الملائكة بأي صلة.. إذ لا خلاف على أن التناسل موقوف على غيرهم من عوالم الأحياء الأخرى. ولكن المؤلف هداه الله بدلا من الأخذ بالمدلول العفوي للقرينتين، عمد إلى تكلف التأويل، فراح يبذل المستحيل لإقناع قرائه بأن المراد بذرية إبليس هم أعوانه من أبناء آدم. ناسيا أن إضافة