للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أعماق الكتب من كتاب زاد المعاد

للإمام ابن القيم

(فصل)

وقد سلك المانعون من الفسخ طريقتين أخريين نذكرهما ونبين فسادهما:

الطريقة الأولى: قالوا إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ فالاحتياط يقتضى المنع منه صيانة للعبادة عما لا يجوز فيها عند كثير من أهل العلم بل أكثرهم.

والطريقة الثانية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج لأن الجاهلية كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج وكانوا يقولون: "إذا أدبر الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر"؛ فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج.

وهاتان الطريقتان باطلتان:

أما الأولى: فإن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة فإذا تبينت فالاحتياط هو اتباعها وترك ما خالفها فإن كان تركها لأجل الاختلاف احتياطا فترك ما خلافها واتباعها أحوط وأحوط فالاحتياط نوعان: احتياط للخروج من خلاف العلماء، واحتياط للخروج من خلاف السنة، ولا يكفي رجحان أحدهما على الآخر وأيضا فإن الاحتياط ممتنع هنا فإن الناس في الفسخ ثلاثة أقوال:

أحدهما: أنه محرم.

الثاني: أنه واجب وهو قول جماعة من السلف والخلف.

الثالث: أنه مستحب؛ فليس الاحتياط بالخروج من خلاف من حرمه أولى بالاحتياط بالخروج من خلاف من أوجبه وإذا تعذر الاحتياط بالخروج من الخلاف تعين الاحتياط بالخروج من خلاف السنة.

(فصل)

وأما الطريقة الثانية: فأظهر بطلانا من وجوه عديدة.

أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل ذلك عمره الثلاث في أشهر الحج في ذي القعدة كما تقدم ذلك وهو أوسط أشهر الحج فكيف يظن أن الصحابة لم يعلموا جواز الاعتمار في أشهر الحج إلا بعد أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة وقد تقدم فعله لذلك ثلاث مرات.