للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجب أن يعبد من كل خلقه، {وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ، ولم يقل: واليوم الثاني، لأن الآخر هو الذي لا ينتهي حقيقة أو ذكراً فلا شيء يخلفه، أما الثاني قد يكون بعده ثالث وهكذا، فالآخرة حياة بعد موت ليس فيها موت {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى} الآية ٥٦ من سورة الدخان والإيمان يقتضي التصديق بالخروج من الحدث إلى حياة لا تنتهي، {وَالْمَلائِكَةِ} وهم سكان السماء المكرمون، ومنهم كثير ينزل إلى الأرض لأعمال هم بها مكلفون {وَالْكِتَابِ} يشمل هنا كل كتاب أوحى به وليس القرآن فقط {وَالنَّبِيِّينَ} سواء من نزل عليه كتاب وكلف بشريعة، أو من وقف أمره عند النبوءة، وعند هذا القدر من الآية نقول، إن البر بدأ بالإيمان بالله وهو سبحانه الغيب الأعظم، ادخر رؤيته البصرية في الآخرة لمن آمن به في الدنيا غيباً مكتفياً بعجائب صنعه ومعجزات رسله، فآمن تبعاً لذلك بكل غيب أخبر عنه، فالملائكة غيب لم يرهم الناس إلا النذر الموحى إليه، والكتب غيب لم يدرك حقيقة نزلها إلا من نزلت عليهم، والصلة بين النبيين وربهم غيب لا تلمس ولا تتصور، فالإيمان بهذا الغيب هو ملء القلب بضياء المعرفة، فتبدأ الآية عندئذ بوضع الصفات التالية من صورة البر على تلك الركائز الراسخة، والراسية رسو الجبال أو أشد في قلب الذي عرف، {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} ، فالإنسان لا شيء أعز عليه بعد روحه من المال، بل كثيراً ما كنت أسمع من يقول: المال عديل الروح، والمال هنا يشمل كل ما يميل إليه الإنسان، من ذهب وفضة وأنعام وحرث، وللمفسرين عندئذ رأيان، لأن إيتاء المال ذكر هنا، وإيتاء الزكاة سيذكر بعد في نفس الآية، فقيل عن إيتاء المال هنا هو نفس إيتاء الزكاة وإنما الذكر الأول للإيتاء هو أوجه الصرف ولمن تعطى، وقيل إن القصد هو الحق الذي في المال سوى الزكاة المفروضة، بل ورأي ثالث استنبط من "الصدقة على القريب صدقة وصلة"، {ذَوِي الْقُرْبَى}