للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأفضل معجزات الرسول وأجلها شأنا هي معجزة القرآن الذي نزل بأفصح اللغات وأبلغها، فقد سحر القرآن العرب منذ استمعوا إليه في اللحظة الأولى، سواء من شرح الله صدره للإسلام وأنار بصيرته، أو من طبع الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة، فالوليد بن المغيرة قال يصف القرآن:

"والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه".

والقساوسة والرهبان يحكي عنهم القرآن: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقّ} [١٨] .

فالقرآن من شأنه إذا استمع إليه إنسان أن تتحرك مشاعره، ويهتز قلبه، ويقشعر بدنه خوفا.. ويعتصر فؤاده رجاء، لما فيه من جمال الأسلوب، وقوة في التعبير.

ولقد وصف الله كتابه عز من قائل:

{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [١٩] .

فروعة القرآن يحسها القلب الخاشع، ولكن العرب كما وصفهم القرآن: {قَوْمٌ خَصِمُونَ} [٢٠] ، وأعداء ألداء: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً} [٢١] ، فأخذوا يتناولون القرآن بالتشكيك، ويشنون عليه حملات شعواء، بغية التهوين من شأنه، والغض من قدره.

ولكن الله رد كيد الكافرين إلى نحورهم، فتحدى الرسول بلغاء العرب وفصحاءهم أن يأتوا بسورة من مثله، ولكنهم عجزوا وأعرضوا عن معارضته، فكان ذلك داعيا إلى الاعتراف بإعجاز القرآن، وقصورهم أمام بلاغته.

والقرآن ليس معجزا للعرب وحدهم، وإنما هو معجز للعربي وغير العربي، لأن دعوة الإسلام دعوة عالمية ليست مرتبطة بلغة معينة، ولا بوطن خاص، وإنما هي دعوة تحتوي العالم بأسره، ومن أجل ذلك كان القرآن معجزا لكل الأمم.