للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو منيع جدا وفيه قرى ومزارع وجامع كبير وهو معلمة نفيسة ويرفع منه العقيق والجزع وهي حجارة مغشاة فإذا عمل لهم وجوهرها. وممن امتنع به من عمال أبي الجيش اسحق بن زياد سليمان بن طرف صاحب عثر وهو من ملوك تهامة، واعماله مسيرة عشرة أيام في عرض يومين وهو من الشرجة إلى حلى، ومبلغ ارتفاعه في العام خمس مائة ألف دينار عثرية. وكان مع امتناعه عن الوصول إلى أبي الجيش اسحق بن زياد يخطب له ويضرب السكة على اسمه ويحمل إليه مبلغ من المال في كل عام وهدايا لا يعلم مبلغها وإما الذي سلم لابن زياد من اليمن حين طعن في السن فله من الشرجة إلى عدن طولا وله من غلافقة إلى صنعاء عرضا. ورأيت مبلغ ارتفاع أعمال بن زياد بعد تقاصرها في سنة ست هوستين وثلاثمائة ألف ألف دينار عثرية خارجا عن المراكب الهندية والأعواد المختلفة والمسك والكافور والصندل والصيني وخارجا عن ضراب العنبر على سواحل بياب المندب وعدن وابين والشحر خارجا عن مغاص اللؤلؤ وعن ضرائبه على جزيرة دهلك ومن بعضها منها ألف رأس منها خمس مائة وصيف وخمس مائة وصيف نوبية. وكانت ملوك الحبشة من وراء البحر تهاديه وتستدعي مواصلته. ومات أبو الجيش هذا سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة عن طفل اسمه عبد الله إبراهيم وقيل زياد تولت كفالته أخته هند بنت أبي الجيش وعبده أستاذ حبشي يدعى رشيد. وكان من عبيد رشيد هذا وصيف من أولاد النوبة يدعى حسين أبن سلامة وهي أمه وبها كان يعرف ونشأ حسين هذا حاذقا عفيفا، فلما مولاه رشيد توزر لولد أبي الجيش ولأخته هند وكانت دولتهم قد تضعضعت أطرافها وتغلبة ولاة الحصون والجبال على ما في أيديهم منها. فأقام الحسين أبن سلامة يحارب أهل الجبال حتى دانوا ودان سليمان بن طرف أبن الحرامي واستوسقت له مملكة أبن زياد الأولى.

[صفة صنعاء]

صفة شرب أهل صنعاء من غيل البرمكي وقد تقدم ذكره موافق لمن شربه. واهويتها بارة تشبه اهوية خرسان موافق لجميع البضائع لم يضر شيئا وخاصة الزعفران تبقى فيها ما شاء الله. ويوجد بها من جميع الأثمار والتفاح والمشمش والأجاص والسفرجل والعنب والتين والكمثرى والورد والنرجس والياسمين وسائر المشمومات والرياحين والبقول.

حدّثني قيصر مولى جمال الدين والدولة جوهر إنّه يباع بها الفجل مشقق أربع، قلت: ولم؟ قال: لأنّه وجد امرأة تستعمله فلم بشرح حالها والي المدينة فأمر إنّ لا يباع الفجل إلا مشقق وأسسوها سنة. ويجمد بها الماء، حدثني سليمان بن منصور قال: إنّ الماء يجمد على الورا والكرابي ولم يبان من أبدانهم سوى رءوسهم، فحينئذ يأتي درين وهو الثعلب علي الجليد يقطع رءوس الطيور. قال أبن المجاور: وهذا شيء لان كل بدن فيه الروح لم يجمد عليه شيء لان حرارة الغريزة تغلب البرودة ولم يجمد الماء إلا على شيء مات لان طبع الحياة حار لين وطبع الموت بارد يابس، فإذا كان الأمر على ذلك لم يستقم قوله ولا يستعين فعل درين. وأهلها من نسل العجم خرجوا من الحبوس والقيود في دولة يزدجرد بن شهريار بن بهرام ويقال كسرى بن قباد مع سيف بن ذي يزن لاستفتاح اليمن من الحبوش، وحكايتهم مشهورة مذكورة في كتاب مسطور. وليس بجميع اليمن مدينة اكبر ولا اكثر موافقة وأهلاً من صنعاء، وهو بلد في حدّ الاستواء سواء وهو من الاعتدال في الهوى بحيث لا يترك الإنسان من مكان واحد طول عمره صيف وشتاء، وتتقارب ساعات الشتاء والصيف. وكان لها بالأعظم خرب.

<<  <   >  >>