للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان ما بين غلافقة والمكينة بلد تسمى الزبر، وما أشتق اسم الزبر إلاّ من الزبور أي زبور داود عليه السلام، ويقال من زبرة الحديد، طمها الساقي فرجعت تلول رمل. قال أبن المجاور: ووجدت في المكان قبرا على ساحل البحر وقد حمل الرمل حجرا وقد غاص عظام الميت في الحجر الأصم والله عز وجل اعلم.

[فصل]

إذا دار على التراب ألف عام رجع التراب رملا فإذا دار على الرمل ألف عام رجع الرمل حجرا وإذا دار على الحجر ألف عام رجع الحجر ترابا، فعلى هذا الوجه لا شك إنّ للقبر ثلاثة آلاف عام لأنه تقلب ثلاث قلبات قلب بالتراب وقلب بالرمل وقلب بالحجر. فلما خربت الزبر بنت امرأة تسمى بنت إسرائيل ولا شك إنّها بنت يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام غلافقة فخربت بمرور الزمان عليها ودور الأفلاك عليها فبقيت رسوم وأطلال إلى أن جدد العمارة إخوان من الفرس والأصح من سيراف يقال لهم أولاد أبن القشيري ويقال إنّ القوم من الذين خرجوا من جدة لأنه كان قد جرى بينهم وبين الأمير القشيري شكر بن أبي الفتوح سنة خمسة وتسعين وأربعمائة، وقد تقدم ذكره بأعمال جدة على التمام والكمال. فلما توطن القوم بها بنوا منارة حسنة فلما طال الدهر تشعث ونقل أساطينه الساج إلى مسجد الأشاعر بزبيد بنى به، ويقال إنّ هذا الجامع بناه القائد حسين أبن سلامة، وبنوا الدور الملاح والمساجد الساج من حجر الكاشور وهو حجر يستخرج من قعر البحر.

[فصل]

حدّثني يوسف بن أحمد بن يعيش قال: لمّا صاموا أهل غلافقة شهر رمضان قال زيد الكبير من أولاد القشيري: شاهد الله على أحد من الرعية باع أو يبيع على أخي عمرو حطبا. وأنفذ إلى أشياع أخيه عمرو وإلى أتباعه وقال لهم: والله ما يأتي أحد منكم بحطب إلى بيت عمرو إلاّ افعل به كيت وكيت واحرم أن يدخل بالحطب إلى بيت عمرو. فلما كان ليلة العيد أمر عمرو أهله أن يطبخوا ويشووا قالوا: بماذا نطبخ وأخوك زيد قد حرم علينا دخول الحطب؟ فحينئذ اخرج خيوش بلها بالسمن وأشعلها تحت القدور. فلما كان يوم العيد وصلت الناس صلاة العيد قام عمرو وسبق أخاه زيد وقال: بسم الله يا صاحبي إلى داري بارك الله فيكم! فدخلت الناس داره إلى أطعمة واشربه واشوية خلاف العادة. فقام زيد وقال لعمرو: يا أخي من أين لك الحطب؟ قال عمرو: فلما منعت الحطب من قلة خيرك فأوقدت الخيوش المنقوعة بالسمن الكثير. فعند ذلك تعب أخوه زيد من علو همته وأكل جميع ما في غلافقة من داره ولم يقبل إلاّ على طعام عمرو، فتعجب زيد من فعله وعلو همته وقال: يا أبا محمّد قدمك في الموضع المحال، أورق العود في كفك وهو فاضل، والبخل إذا ما سمعك انتزح راحل، وأنت كالبحر وكفك للعطا ساحل. وانشدني زكري بن سكيلا بن عبد الله البحتري يمدح جياش أبن نجاح:

المشتري حلل الثناء بما حوت ... كفا والحامي لها أن تشترى

والموقد النارين نارا للوغى ... لا تنطفي أبداً ونارا للقرى

[فصل]

سئل إبليس: من احب الناس إليك؟ قال: عابد بخيل. قيل فمن ابغض الناس إليك؟ قال: فاسق سخي. قيل وكيف ذاك؟ قال: لأني أرجو أن لا يقبل الله عبادة البخيل واعلم إنّه لا يتم له شيء من الخير مع البخل ولا آمن أن يطلع الله على العبد الفاسق فيرى بعض سخائه فينجيه ويرحمه به.

[فصل]

وكان لأبي دلف القسم بن عيسى العجلي جار وكان عليه نعمه فسلبها فآل أمره إلى بيع داره فساوموه فيها. فقال: بألف وخمسمائة دينار! فقيل يا هذا إنّما تساوي دارك ألف دينار. فقال: وجواري من أبي دلف بخمسمائة دينار! فبلغ أبا دلف ذلك فأحضره وأمر له بألف دينار فقال: تعذرنا في ذلك ولا تتحول عن جوارنا. فهو الذي يقول فيه على بن جبلة الضرير في هذا المعنى:

إنّما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره

فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره

وسكنا المكان جميعا إلى أن انقضوا رحمهم الله تعالى. قال:

أفّ للدنيا الدنية ... خبشة فعلا ونية

والعيش كله هم ... وعقباه منية

ذكر بئر الرحبانية

<<  <   >  >>