للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقول وقد جدّ ارتحالي وغردت ... حُداتي ورنت للفراق ركائبي

وقد غمصت من كثرة الدمع مقلتي ... وصارت هواءً من فؤادي ترائبي

ولم تبقَ إلاّ وقفة تستحثها ... وداعي للأحباب لا للحبائب

رعى الله جيراناً بقرطبة العلى ... وسقى رباها بالعِهادِ السواكب

وحيا زماناً بينهم قد ألفته ... طليق المحيّا مستلانَ الجوانب

أحبابنا في الله فيها تذكروا ... معاهد جار أو مودّة صاحب

غدوت بهم من برهم واحتفائهم ... كأني في أهلي وبين أقاربي

وله برد الله ضريحه في الوداع:

يا من ترحل عني غير مكترث ... لكنه للضنى والسّقم أوصى بي

تركتني مستهام القلب ذا حُرَقٍ ... أخا جوى وتباريح وأوْصاب

فلم أذق من لذيذ العيش بعدكم ... إلاّ جَنى حنظل في الطعم أو صاب

أراقب النجم في جنح الدجى سَهَراً ... كأنني راقب للنجم أو صابي

وللأديب أبي الوليد محمد بن عبد الله بن زيدون رحمة الله عليه:

ودع الصبر محب ودَّعك ... حافظ من سره ما استودعك

يقرع السن على أن لم يكن ... زاد في تلك الخُطا إذ شيعك

يا أخا البدر سناءً وسَناً ... حفظ الله زماناً أطلعك

إنْ يَطلْ بعدك ليلي فلكَمْ ... بتّ أشكو قِصَر الليل معك

يا قمراً أطلعه المغرب ... قد ضاق بي حبك المذهب

ألزمتني الذنب الذي جئته ... صدقت فاصفح أيها المذنب

وإنما أغرب ما مرّ بي ... أن عذابي بك مستغرب "

وتتبع ذلك يطيل ويخرج عن الغرض.

لله الأمر من قبل ومن بعد

[نبذة مختارة من مختار الشعر]

وهذه نبذة مختارة من شعر العرب، فمن ذلك في الأمثال، وقد تقدمت جملة منها في الكتاب: ففي الحض على الاتفاق والتوكل على الله تعالى قول جميل:

كلوا اليوم من رزق الإله ابشروا ... فإن على الرحمن رزقكم غدا

وفي تكذيب الكهانة وزجر الطير قول لبيد:

لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ... ولا زاجرت الطير ما الله صانع

وفي اليأس من إصلاح الأولاد مع فساد الآباء قول الفرزدق:

ترجّي ربيع أن تجيء صغارها ... بخير، وقد أعيا ربيعاً كبارها

وفي تلهف المعدم على قصوره عن فعل الخير قول خالد بن علقمة:

وقد يقصر القل الفتى دون همه ... وقد كان لولا القل طلاع أنجد

وفي الجنوح إلى الجبن قول النهشل بن حَرِّي:

فلو أن لي نفسين كنت مقاتلاً ... بإحداهما حتى نموت وأسلما

ونحو هذا قول حبيب بن عوف حين قال له المهلب " بن أبي صفرة " أكرر على القوم:

يقول لي الأمير بغير علم ... تقدم حين جدَّ بهِ المراس

فما لي أن أطلعتك من حياةِ ... وما لي غير هذا الرأس رأس

" وقول أبي دلامة وقد ليم على الفرار:

ألا لا تلمني في الفرار فإنني ... أخاف على فخّارتي أن تحطما

فلو أنني أبتاع في السوق مثلها ... وحقّك ما باليت أن أتقدما

وقال المبرد: حدثني عجل بن أبي دُلَف أن ابن أبي فتن مدح أباه بقوله مورياً:

ما لي وما لك قد كلفتني شططاً ... حمل السلام وقول الدار عين قف

أمن رجال المنايا خلتني رجلاً ... أمسي وأصبح مشتاقاً إلى التلف؟

تمشي المنون إلى غيري فأكرهها ... فكيف أسعى إليها بارز الكتف؟

أم قد حسبت سواد الليل شجعني ... أو أن قلبي في جنبيّ أبي دُلّف؟

فبلغ الشعر أبا دُلف فبعث إليه بأربعة آلاف دينار، فأخذها وأغلق عليه الدار، ولا عليه فيمن قعد أو طار، فقال المبرد: هذا كالذي دخل على قوم يشربون فسقاه بعضهم من غير الشراب الذي يشربون استحقاراً له فقال:

نبيذان في مجلس واحد ... لإيثار مثر على مقتر

فلو كنت تفعل فعل الكرام ... فعلت كفعل أبي البَحتري

تتبع إخوانه في البلاد ... فأغنى المقل عن المكثر

فاتصل قوله بأبي البختري فوصله بألف دينار ولم يره ". وفي الحض على اقتناء العمل الصالح قول الأخطل:

وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخراً يكون كصالح الأعمال

وفي اليأس من تلافي ما فسد قول رجل من عمان:

والثوب إن أنهج فيه البلى ... أعيا على ذي الحيلة الراقع

<<  <   >  >>