للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والقِري قد كُفِي القاضي والحمد لله مؤنته الثقيلة، ولم يُحْوَج إلى تشويش العقل واستخدام العقيلة، وهذا القِسْم غير معدود ولا تقع المشاحَّةُ إلا في مَوْدود. وَهمَّ بتحفة شعره ثم قال بالبداء وناداه الإنجاز فصمَّ عن النداء فاطَّرد باب الشُّحِّ حِسَّاً ومعنى، وموحداً ومثنى حتى دُكَّالة، شرَّابةٌ لسَرْو القضاة أكَّالة، وبيدها لتحجير أيديهم وكالة. وهذه الحركة كانت لمحبة حركة الفتح، ووجهة المد والمنْح، فلو لم يقع فيها بُخْلُه تَمِيمة، لَلَقَعَتْها العين وعَسُر الهَيْن، والقاضي أعزه الله كمال، وعيب الكمال لا يُنكر، والغالب الفضل، وغير الغالب لا يذكر، وهو على التَّافه يُشكر. داعبتُه حفظه الله مداعبة من يعتقد خلاف مقاله، ويَرْجُح القناطر المقنطرة بمثقاله، ولا يقول في حال سَرْوه بانتقاله، ومع اليوم غد، ولكل شيء أمَد، ويُرجَّى أن يمتع الله منه بوقت يقع فيه استدراك، ويرتفع باختصاص النزول لديه اشتراك إن شاء الله.

وكان المبيت بحصن أسَايس من حصون دُكَّالة شأنه ما قبلُه بطلل، دار عادية ملوكية الوضع، تنسب لأحد أشياخ الوطن ممن غَمَسَ يده من الجباية في الدم والفَرْث تدل على انسحاب دنيا كانت سحابة صيف، والله يتجاوز عما جرت من نكير، فهو الذي يؤاخذ بما كسبت الأيدي ويعفو عن كثير.

ورحلنا من الغد ف يسهل اقتحمنا به حدود الصَّناهِجَة، وبتنا بموضع يعرف باسكاون بازاء رَجُلٍ مُنْتَمٍ للصوفية أَعجم اللسان، قام بالنزول على خصاصة واضطرار، فأنَبْنَا له واحتسبنا كَدْحه.

وعُدنا من الغد إلى أزَمُّور، فرأينا صدق المثل في قولهم العود أحمد، فتلقينا بها أصناف الفضلاء مصحرين، ولوظائف البر متممين، وقاهم الله معَرَّات السنين، وكرَّم وجوههم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه في يوم العرض والدين.

وبرز إلينا الحسن بن يحيى بن حَسُّون، فتى الفتيان بالمغرب، وغاية السَّرو، وآية المروءة، والمثل البعيد في الإيثار على الخصاصة، ومخجل الضيف وريحانة التلطف، فأربى الخُبْرُ على الخَبَر والحمد لله.

وكان السفر عن تشييع تتعلق بالأهداب أظفاره، وفضل عمَّ الخافقين اعتذاره وأوجب ذلك ما خاطبتهم به:

إحسانكم يا بني يحيى بن حسُّون ... أزرَى على كل منثور وموزون

قد جددت زينةَ الدنيا برامكةٌ ... منكم مكارِمُها لم ترض بالدون

أبناء يحيى وَقَتْهُمْ كلما وُلدُوا ... عناية الله من موسى وهارون

بالأحسن الندب زاد الله بيتكم ... حُسناً فأهلاً بطلْق الوجه ميمون

ما زالَ يكْلَفُ بالعَليا ويُمْحَضُها ... هوى يعود على الأموال بالهون

ما زلتُ أسمع عنكم كل مكرَمة ... والآنَ كم بين معلوم ومظنون

أثْرَتْ بكم كفُّ أزمور دياركم ... فأيُّ دُرٍّ بصون المجد مكنون

أبقاكم الله في سعدٍ عقائله ... تبدي لكم غرر الأبكار والعون

وردَّني لبلادي شاكراً لكُمُ ... بأمر ربي بين الكاف والنون

إلى مدينة آنفا، واستدرك استدعائنا منهم إلى كل احتفاء واحتفال، أفاضل ذهبوا من البر كلَّ مذهب كالقاضي بها الشيخ الفقيه الحاج البادي القشف والسذاجة أبي بكر عثمان بن صالح المْسراتي المراكشيِّ النشأة، قرأ بمراكش على أبي الحسن المُرسي وأبي عبد الله العَبْدَري؛ وبحَاحَة، على أبي زكريا يحيى ابن سعيد، وأبي زيد بن عبد الله وأخيه أبي بكر. وبأغمات: على أبي العباس المعروف بأيَّزْم. وحج سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، ووَليَ القضاء بقصر كتامة، وحصن القاهرة وأزمور وآنفا. وأقرأ بمدرستها كتاب أبي عمرو بن الحاجب. مولده في حدود عشرة وسبعمائة. والعدل السريّ أبي العباس أحمد بن شرف بن علي السَّلي من أهل تامسنا، نبيه المسكن فَعْم الخوان، مُنْجِبِ غلمان. والعدل الفاضل أبي العباس أحمد بن أبي بكر بن موسى البرغَواطي خير منقبض متحلٍّ بسكينة. والشيخ الخطيب الخَيِّر أبو الحسن علي بن أبي حَدّوا الأصيل البيت النابه الأبوَّة المحمول عليه في سبيل بغي زعموا. والنجباء السراة أولاد الفقيه القاضي الرائق الخط، الجَمَّاعة للدفاتر، الموسوم بالرجاحة أبي علي عمر بن محمد الزناتي، كافأ الله ما بذلوا من رغبة، وخَطَوْا من إلمام.

فصل في ذكر العودة إلى مدينة سلا

<<  <   >  >>