للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجده العبد بالحس كالبرقة فإن صرفها بالذكر امتحت وإن تركها بالغفلة كانت خطرة وهو خطور العدوّ بالتزيين وإن نفى الخاطر ذهب وإن ولي عنه قوي فصار وسوسة وهذا محادثة النفس للعدوّ وإصغاؤها إليه وإن نفى العبد هذه الوسوسة بذكر الله خنس العدوّ وصغت النفس، وهذه الثلاث معفوة برحمة الله تعالى غير مؤاخذ بها العبد وإن أمرج العبد النفس في محادثة العدوّ وطاولت النفس العود بالإصغاء والمحادثة قويت الوسوسة فصارت نية فإن أبدل العبد هذه النية بنية خير فاستغفر منها وتاب وإلا قويت فصارت عقداً فإن حلّ هذا العقد بالتوبة وهو الإصرار والأقوى فصار عزماً وهو القصد.

وهذه الثلاثة من أعمال القلب مأخوذ بها العبد ومسؤول عنها فإن تداركه الله تعالى بعد العزم وإلا تمكن العزم فصار طلباً وسعياً وأظهر العمل على الجوارح من خزائن الغيب والملكوت فصار من أعمال الجسم في خزانة الملك والشهادة، فهذه الأعمال توجد من أعمال البر والإثم، فما كان منها من البر همة ونية وعزماً كان محسوباً للعبد في باب النيات مكتوباً له في ديوان الإرادة له به حسنات وما كان منها من الشر نية وعقداً وعزماً فعلى العبد فيه مؤاخذه من باب أعمال القلوب ونيات السوء وعقود المعاصي وليس شيء مجانس للعدوّ مؤاخٍ له إلا النفس جمع الله تعالى بينهما في الوسوسة بقوله: (الوَسْواسِ الخَنَّاس) الناس: ٤، وقوله: (ونَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بهِ نَفْسُهُ) ق: ١٦، وكل شيء خلقه الله تعالى فله مثل وضد، فمثل النفس الشيطان وضدهما الروح، ثم إن أعمال الجوارح من النوعين الطاعة والمعصية أعظم في الأجر والوزر معاً إلا ما لا يتأتى أن يعمله بظاهر الجسم من شهادة التوحيد أو وجود شك أو كفر أو اعتقاد بدعة.

[باب آخر من البيان والتفصيل]

فأما ما كان من لائح يلوح في القلب من معصية ثم يتقلب فلا يلبث فهذا نزغ من قبيل العدوّ وما كان في القلب من هوى ثابت أو حال مزعج دائم لابث فهو من قبل النفس الأمارة بطبعها أو مطالبة منها بسوء عادتها وما ورد على العبد من همه بخطيئة ووجد العبد فيها كراهتها، فالورود من قبل العدوّ والكراهة من قبل الإيمان وما وجده العبد وجداً بهوى أو معصية ثم ورد عليه المنع من ذلك فالوجد من النفس والوارد بالمنع من الملك وما وجده العبد من فكر في عاقبة الدنيا أو تدبير الحال ونظر إلى معهود فهذا من قبل العقل وما وجد من خوف أو حياء أو ورع أو زهد أو من شأن الآخرة فهذا عن الإيمان وما شهد القلب من تعظيم أو هيبة أو إجلال أو قرب فهذا من اليقين وهو من مزيد الإيمان وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه كما قال صاحب الأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعوذ بك وإنما هذا تفصيل الحدود وإظهار المكان وإحكام العلم كما قال تعالى: (وَكُلَّ شَيء فصَّلْنَاه تَفْصيلاً) الإسراء: ١٢، وقال: (قَدْ فَصَّلْنا الآياتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ) الأنعام: ٩٧، وليس في التوحيد ولا في المشاهدة تفكر ولا في الإشارة عيان ولا في القدرة ترتيب ولكن لا بدّ

<<  <  ج: ص:  >  >>