للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحلال فريضة إذ قد أمر الله تعالى به وأجمع المسلمون على تفسيق آكل الحرام، وقد جاء في خبر مفسر طلب الحلال فريضة بعد الفريضة ومال إلى هذا القول إبراهيم بن أدهم ويوسف بن أسباط ووهيب بن الورد وحبيب بن حرب.

وقال بعض هذه الطائفة من أهل المعرفة: معناه طلب علم الباطن فريضة على أهله قالوا وهذا مخصوص لأهل القلوب ممن استعمل به واقتضى منه دون غيره من عوام المسليمن ولأنه جاء في لفظ الحديث: تعلموا اليقين فمعناه اطلبوا علم اليقين وعلم اليقين لا يوجد إلا عند الموقنين وهو من أعمال الموقنين المخصوص في قلوب العارفين وهو العلم النافع الذي هو حال العبد عند الله تعالى ومقامه من الله تعالى كما شهد له الخبر الآخر في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وعلم باطن في القلب وهو العلم النافع فهذا تفسير ما أجمل في غيره، وقال جندب: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيعلمنا الإيمان ثم يعلمنا القرآن فازددنا إيماناً وسيأتي زمان قوم يتعلمون القرآن قبل الإيمان يعين تعلمنا علم الإيمان وهذا مذهب نساك أهل البصرة، وقال بعض السلف: إنما معناه طلب علم ما لم يسع جهله من علم التوحيد وأصول الأمر والنهي، والفرق بين الحلال والحرام إذ لا غاية لسائر العلوم بعد ذلك وكلها يقع عليه اسم علم من حيث هي معلومات ثم قد أجمعوا أن ليس تعليم ما زاد على ما ذكرناه فرضاً وإنما فيه فضل أو ندب، وقال بعض فقهاء الكوفة: معناه طلب علم البيع والشراء والنكاح والطلاق وإذا أراد الدخول فيه افترض عليه مع دخوله في ذلك طلب علمه لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يتجر في سوقنا هذا إلا من تفقه وإلا أكل الربا شاء أم أبى وكما قيل تفقه ثم اتجر ومال إلى هذا سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابهما، وقال بعض المتقدمين من علماء خراسان: هو أن يكون الرجل في منزله فيريد أن يعمل شيئاً من أمر الدين أو يخطر على قلبه مسألة الله سبحانه وتعالى فيها حكم وتعبد وعلى العبد في ذلك اعتقاد أو عمل فلا يسعه أن يسكت على ذلك ولا يجوز له أن يعمل فيه برأيه ولا يحكم بهواه فعليه أن يلبس نعليه ويخرج فيسأل عن أعلم أهل بلده فيسأله عن ذلك عند النازلة فهذا فريضة وحكي هذا القول عن ابن المبارك وبعض أصحاب الحديث.

وقال آخرون: يعني طلب علم التوحيد فرض وإنما اختلفوا في كيفية الطلب وماهية الإصابة، فمنهم من قال من طريق الاستدلال والاعتبار، ومنهم من قال من طريق البحث والنظر، ومنهم من قال من طريق التوفيق والأثر، وقالت طائفة من هؤلاء: إنما أراد طلب علم الشبهات والمشكلات إذا سمعها العبد وابتلى بها وقد كان يسعه ترك الطلب إذا كان غافلاً عنها على أصل التسليم ومعتقد جملة المسلمين لا يقع في وهمه ولا يحيك في صدره شيء من الشبهات فيسعه ترك البحث فإذا وقع في سمعه شيء من ذلك ووقر في

<<  <  ج: ص:  >  >>