للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصّاص في العلماء مثل أهل السواد في أهل المدن، فأما أكل الدنيا بالدين وأخذها على الصلاح وبيع العلم بالدنيا والتصنع والتزين للعموم فمن قبيح ما أحدث، وهو أظهر من أن يدل على فساده عند من عرف ظاهر العلم، وقد سمّى هؤلاء في زماننا هذا الجاهلون بالعلم علماء وجعلهم الناقصون عن الفضل فضلاء لقلة معرفتهم بطريق المتقدمين وعدم بصيرتهم بحقيقة علم الدين، وأعلم أن الكلام ينقسم عندنا سبعة أقسام: العلم منه قسم واحد، وسائر الستة لغو مطرح يلتقطه من لا يعرفه ولا يفرق بين العلم والجهل، والعرب تقول: لكل ساقطة لاقطة ولكل قائلة ناقلة، فالستة إفك وسفه وخطأ وظنّ وزخرف ووسوسة، فهذه أسماؤها عند العلماء يفصلون ذلك بما فصل الله تعالى لهم من بيانه واستحفظهم من كتابه وجعلهم شهداء على دينه وعباده، فالقسم السابع من الكلام هو ما عدا هذه الستة، ولم يقع عليه اسم منها مذموم، فهو علم وهو نصّ القرآن والسنة أو ما دلاّ عليه، واستنبط منهما أو وجد فيهما اسمه ومعناه من قول وفعل، والتأويل إذا لم يخرج عن الإجماع داخل في العلم والاستنباط إذا كان مستودعاً في الكتاب يشهد له المجمل ولا ينافيه النصّ فهو علم، وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: أنتم اليوم في زمان الهوى فيه تابع للعلم وسيأتي عليكم زمان يكون العلم فيه تابعاً للهوى.

وقد جمع الله تعالى بين رونق العقل ومتعة الدنيا بتسمية الزخرف فقال تعالى: (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَىْها يتّكئون) الزخرف: ٣٤ وزخرفاً وكما قال زخرفاً من القول غروراً فذهاب الجاهل بالاستحسان لزخرف القول من المموّه من غلّ الدنيا كمتعة الجاهل من أبناء الدنيا بزخرف الذهب ذاهباً عن حقيقة الأمر والزخرف ما يموّه على الذهب، فيشبه به يحسبه الجاهل والصبي عين الذهب، كذلك الزخرف من القول: ما يموّه ويشبه على العلم يحسبه المستمع من الجهّال علماً، فكذلك جمع بينهما في التسمية الزخرف، وقد قيل إن الزخرف هو الذهب فعلى هذا شبّه قول الغرور بالذهب الذي يذهب بقاؤه وتقلّ حقيقته عند الربانيين وأهل الحقيقة الزاهدين إذ شبهه الأنبياء والصديقون كالحجر والمدر، وكان الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: تركوا العلم وأقبلوا على الغراس، ما أقل العلم فيهم والله المستعان، وقال الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه: لم يكن الناس فيما مضى يسألون عن هذه الأمور كما يسأل الناس اليوم ولم يكن العلماء يقولون حرام ولا حلال في أكثر الأمور أدركتهم يقولون مستحب ومكروه، وكان مالك كثير التوقف في الأجوبة إذا سئل ويكثر أن يقول لا أدري سل غيري وقال رجل لعبد الرحمن بن مهدي ألا ترى إلى قول فلان في العلم حلال وحرام وقطعه في الأمور بعلمه يعني رجلاً من أهل الرأي وإلى قول مالك: إذا سئل أحسب، فقال عبد الرحمن: ويلك قول مالك أحسب أحسب أحبّ إليّ من قول

<<  <  ج: ص:  >  >>