للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآيات الله تعالى لا تكون للفاسقين وعهده لا ينال الظالمين وعظمته وقدرته لا تكون شهادة للزائغين ولا وجد للمبطلين إذ في ذلك توهين لآيات اللّّه وحججه وانتقاص لبراهينه وقدرته ودخول الشك في اليقين الذي هو محجة المخلصين والذين هم بقية الله من عباده واشتباه الباطل بالحق الذي هو وصف أهل الصدق الذين هم أدلته عليه من أهل وداده وهذا من أدل دليل على فضل علم المعرفة على غيره قال اللّّه عزّ وجلّ: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَني إسْرَائيلَ) الشعراء: ١٩٧، وقال تعالى: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ في صُدُورِ الَّذين أُوتُوا الْعلِْمَ) العنكبوت: ٤٩، وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ في ذلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمينَ) الحجر: ٧٥، وقال: (قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُون) ، البقرة: ١١٨وقال عزّ وجل: (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ، الأنعام: ١٠٥ فهؤلاء العلماء بالله تعالى الناطقون عن اللّّه عزّ وجلّ جعل لهم أنصبة منه ومكاناً عنده، ولا يكون ذلك لمن ليس أهلاً له ولا حقيقاً به لأنهم آيات الله تعالى وبيناته وشهوده وبصائره كاشفو طريقه ومظهرو بيانه إذ يقول تعالى: (ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) القيامة: ١٩، ثم قال تعالى: (خلَقَ الإنسانَ) (عَلَّمَهُ الْبيانَ) الرحمن: ٣ - ٤ بعد قوله: (وكانَ حقَّاً عَلَيْنا نصْرُ الْمُؤْمنين) الروم: ٤٧، مع قوله تعالى: (وكانُوا أحَقَّ بها وأَهْلها) الفتح: ٢٦ فنصروه بما نصرهم به وتحققوا بما حققهم منه وشهدوا له ما شهد لهم عنه فكانوا للمتقين إماماً وإلى الهداية أعلاماً.

وقال بعض أهل المعرفة: من لم تكن له مشاهدة من هذا العلم لم يعر من شرك أو نفاق لأنه عار من علم اليقين ومن عري من اليقين وجد فيه دقائق الشك، وقال بعض العارفين: من لم يكن له نصيب من هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة وأدنى النصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله وقال آخر من كان فيه خصلتان لم يفتح له من هذا العلم شيء بدعة أو كبر، وقال طائفة من أهله: من كان محباً للدنيا أو مصراً على هوى لم يتحقق به، وقال أبو محمد سهل: أقل عقوبة من أنكر هذا العلم أن لا يرزق منه شيء أبداً، واتفقوا على أنه علم الصديقين وأن من كان له منه نصيب فهو من المقربين وينال درجة أصحاب اليمين، وأعلم أن علم التوحيد ومعرفة الصفات مباين لسائر العلوم، فالاختلاف في سائر العلوم الظاهرة رحمة والاختلاف في علم التوحيد ضلال وبدعة والخطأ في علم الظاهر مغفور وربما كانت حسنة إذا اجتهد والخطأ في علم التوحيد وشهادة اليقين كفر من قبل أن العباد لم يكلفوا حقيقة العلم عند الله تعالى في طلب العلم الظاهر وعليهم واجب طلب موافقة الحقيقة عند الله في التوحيد ومن ابتدع شيئاً ردت عليه بدعته وكان مسؤولاً عنه ولم يكن حجة لله تعالى على عباده ولا غيثاً نافعاً في بلاده بل كان موصوفاً بالدنيا وفيها من الراغبين ولم يكن دليلاً على الله عزّ وجلّ ولا من دعاة الدين ولا إماماً للمتقين، وقد جاء في الخبر: العلماء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا فإذا دخلوا في الدنيا فاحذروهم على دينكم، والخبر المشهور: من أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو ردّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>