للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القلب إليه أتلف صاحبه به إلا ما يستثنيه.

قد يفيض الخوف من القلب إلى المرارة وهي أرق صفات الأدمة، وهي باطن البشرة فيحرقها فيقتل العبد، وهؤلاء هم الذين يموتون من الغشى والصعق وبداوة الوجه، وهم ضعفاء العمال.

وقد يطير الخوف من القلب إلى الدماغ فيحرق العقل فيتيه العبد فيذهب الحال ويسقط المقام.

وقد يحل الخوف السحر وهو الرئة فينقبها فيذهب الأكل والشرب حتى يسلّ الجسم وينشف الدم، وهذا لأهل الجوع والطي والاصفرار.

وقد يسكن الخوف الكبد، فيورث الكمد اللازم، والحزن الدائم ويحدث الفكر الطويل والسهر الذاهب، وفي هذا المقام يذهب النوم ويدوخ السهر وهذا من أفضلها، وفي هذا الخوف العلم والمشاهدة وهو من خوف العاملين، وقد يقدح الخوف في الفرائص؛ والفريصة هي اللحمة التي تكون على الكتف، يقال للحمتي الكتفين: الفريصتان وجمعها الفرائص، ومنه الخبر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعجبه الفريصتان من اللحم وهو أرقّ لحم الحيوان وأعذبه، فمن هذا الخوف يكون الاضطراب والارتعاش واختلاف الحركة، وقد يبدو الخوف من القلب فيغشى العقل فيمحي سلطانه لقهر سلطان القدرة ومحو الشمس إذا برزت ضوء القمر للبادي الذي يبدو على السر من خزائن الملكوت فيضعف لحمله العقل فيضطرب لضعفه الجسم فلا يتمكّن العبد من القرار لضعف صفته وذلك أن أجزاء الإنسان وإن كانت متفرقة في البنيان للحكمة والإتقان فهي كشيء واحد يجمعها لطيف القدرة بإظهار المشيئة، فأسفل البنية منوط بأعلاها فإذا اضطراب أعلاها مال أسفلها وإذا وصل الداء أو الدواء إلى عضو منها تداعى له سائرها، وهذه الطائفة أشبه بالفضل وأدخل في وصف العلم وقد سلك في هذا الطريق أكابر العماء وأفاضل أهل القلوب وقد كان هؤلاء في التابعين كثير منهم؛ الربيع بن خيثم وأويس القرني، وزرارة بن أوفى، ونظراؤهم من الأخيار رضي الله عنهم، ولم ينكر هذا عليّة الصحابة مثل عمر وابن مسعود رضي الله عنهم.

وقد كان عمر رضي الله عنه يغشى عليه حتى يضطرب مثل البعير ويسقط من قيام، وقد كان ذلك يلحق سعيد بن جذيم، وكان من زهاد أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن أمراء الأجناد بعثه عمر رضي الله عنه واليًا على أهل الشام، وكان يوصف له من زهده وشدة فاقته ما يعاتبه عمر في ذلك ويبعث إليه بالمائة دينار وبأربعمائة دينار ليستنفقها على أهله فيفرق ذلك على الغزاة في قصة طويلة، فكتب إليه أهل الشام يذكرون شأنه، وكان يغشى عليه في مجلسه فخشوا عليه من دخيلة في عقله ولم يعرف ذلك أهل الشام فسأله عمر لما لقيه الذي يصيبه إذا تحدث فأخبره بما يجد من مشاهدته وهو وجد الصوفية من أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>