للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى ولا يدخل غمّ الآخرة حتى يخرج همّ الدنيا ولا تدخل حلاوة المعاملة حتى تخرج حلاوة الهوى، وكلّ من تاب من ذنب ولم يجد حلاوة الطاعة لم يؤمن عليه الرجوع فيه وكلّ من ترك الدنيا ولم يذق حلاوة الزهد رجع في الدنيا ولا يدخل حلاوة المعاملة حتى يخرج حلاوة الهوى وخالص الزهد إخراج الموجود من القلب، ثم إخراج ما خرج من القلب عن اليد وهو عدم الموجود على الاستصغار له والاحتقار والتقالل لهوان الدنيا عنده وصغرها في عينه فبهذا يتم الزهد، ثم ينسى زهده في زهده فيكون حينئذ زاهداً في زهده لرغبته في مزهده، وبهذا يكمل الزهد؛ وهذا لبّه وحقيقته؛ وهو أعزّ الأحوال في مقامات اليقين، وهوالزهد في النفس لا الزهد لأجل النفس ولا للرغبة في الزهد للزهد؛ وهذه مشاهدة الصديقين، وزهد المقربين عند وجد عين اليقين، ودون هذا مقامات إخراج المرغوب فيه عن اليد مع نظره إليه وعلى مجاهدة النفس فيه؛ وهو زهد المؤمنين، وذلك العمل بالزهد عقد وعمل إذ كان الزهد عن الإيمان، والإيمان قول وعمل، وكذلك الزهد عقد وعمل، فعقده خروج حبّ الدنيا من القلب بدخول حبّ الآخرة في القلب، والعمل بالزهد إخراج المحبوب من اليد في سبيل الله تعالى معتاضًا منه ما عنده سبحانه وتعالى من وجهه الكريم جلّ وتعالى أو قرب جواره في داره وإن لم تكن الدنيا موجودة فإن ترك الأسف عليها وقلة الحرص فيها، وترك الطلب والتمنّي لها، وسكون القلب مع العدم ورضاه بيسير القسم بحسب للعبد زهدًا لأن ذلك حال الفقير، فإذا قام بحكمه لم يجب عليه أكثر من القيام به، والورع هو من الزهد كما الزهد من الإيمان والحياء والإيمان في قرن واحد، كما جاء في الخبر إذا نزع أحدهما تبعه الآخر.

وروينا في ذلك حديثًا من طرق أهل البيت: الزهد والورع يجولان في القلب كل ليلة، فإن صادفًا قلبًا فيه الإيمان والحياء أقاما فيه وإلا ارتحلا، والقناعة باب من الزهد أيضا، والرضا باليسير من الأشياء حال من الزهد والتقلّل في الأشياء مفتاح الزهد، وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: قد حجبت قلوبنا بثلاثة أعطية فلن يكشف للعبد اليقين حتى ترفع هذه الحجب الفرح بالموجود والحزن على المفقود والسرور بالمدح، فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص والحريص محروم، وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط والساخط معذب، وإذا سررت بالمدح فأنت معجب والعجب يحبط العمل، وقال الله تعالى: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتاكُمْ) الحديد: ٢٣ أي منها وهذان الوصفان هما أتمّ حال في الزهد من أعطي أحدهما تبعه الآخرة لأن الذي لايأسى على ما فاته من الدنيا، هو الذي لا يفرح بما أتاه منها لأنه مثله والذي لا يفرح بما أتاه منها هو الذي لا يحزن على ما فاته، وهذا وصف عبد غير متملك لملك وسيما

<<  <  ج: ص:  >  >>