للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشاهدهم، إذ كله حكمة بالغة وقدرة نافذة عن حكيم واحد وقادر واحد.

وممّا يدلك على استواء ما ظهر بيد الأواسط وما أظهرته القدرة عند العلماء أنّ كلّ من جمع كرامات الأولياء واجبات الصدّيقين ذكر فيها ما ظهر لهم عن القدرة، وما ظهر لهم على أيدي الخلق من الإنفاق عند وقت الفاقات عن غير مسألة ولا استشراف نفس، فسووا بينهما في الكرامات وجعلوهما واحد من الإجابات، وحسبوا كل ذلك من الآيات، على أنّ العارفين يشهدون ما يوصل العبيد إليهم من أقسام رزقهم، إنها ودائع لهم عندهم وإنه حق لهم بأيديهم يؤدونه إليهم قليلاً قليلاً، ويوفونهم إياه شيئاً فشيئاً إلاّ أنهم لا يسألونهم إياه ولا يطالبونهم به، وإن كان لهم عندهم حسن أدب فيهم وحسن اقتضاء لأنّ من حسن الاقتضاء ترك الطلب، ولقوّة يقينهم برازقهم أنّه يوفيهم نصيبهم غير منقوص، فقد سكنوا إلى قديم وعده كما نظروا إلى بسط يده، وكذلك مشاهدة العالمين الموصلين إليهم قسمهم الدافعين إليهم حقوقهم، يشهدون أنهم قد خرجوا إليهم من حقهم وأدوا إليهم ودائعهم، فيستريحون إلى إخراج ذلك، ويفرحون بأدائه إلى أربابه ويشكرون الله على حسن توفيقه وإعانتهم على سقوط ذلك عنهم، كما يفرح من عليه الدين الثقيل إذا أداه فسقط عنه حكمه وقضاؤه، وهذا مقام للموصلين في المعرفة وحال لهم من اليقين حسنة، وهو مشاهدة عالية للآخذين من المتوكلين.

[ذكر تشبيه التوكل بالزهد]

اعلم أنّ التوكل لا ينقص من الرزق شيئاً، ولكنه يزيد في الفقر ويزيد في الجوع والفاقة، فيكون هذا رزق المتوكّل ورزق الزاهد من الآخرة، على هذا الوصف الخصوص من حرمان نصيب الدنيا وحمايته عن التكاثر منها، والتوسع فيها فيكون التوكل والزهد سبب ذلك، فيكون ما صرفه عنه من الدنيا زيادة له في الآخرة من الدرجات العلى، وكذلك روي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نقصان الدنيا زيادة الآخرة، وزيادة الدنيا نقصان الآخرة، ومن أعطى من الدنيا شيئاً نقص ذلك من منزلته في الآخرة، وإن كان على الله كريماً، وقيل إنّ الدنيا والآخرة مثل ضرتين، من أرضى إحداهما أسخط الأخرى، وقال رجل لبعض العلماء: كنت في محلة ليس فيها بقال غيري، ففتح إلى جنبي بقال آخر فأخاف أن ينقص ذلك من رزقي شيئاً، فقال: ليس ينقص من رزقك شيئاً ولكن يزيد في بطالتك، تقعد كثيراً لا تبيع شيئاً، وقد غلط في هذا الطريق قوم ادّعوا التوكل والزهد واتسعوا في المآكل والملابس، على أنّ ذلك لا ينقصهم من رزقهم شيئاً، فموهوا على دونهم ممن لا يعرف طريق الزهد والتوكل.

[ذكر كتم الأمراض وجواز إظهارها]

الأفضل لمن لم يتداوَ أن يخفي علله لأنّ ذلك من كنوز البرّ ولأنها معاملات بينه

<<  <  ج: ص:  >  >>