للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوسع عليك، ولا تضيق فأضيق عليك، إنّ أبواب الرزق بالعرش لا تغلق ليلاً ولا نهاراً، فأنزل الرزق منها لكل عبد على قدر نيته وعالته وصدقته ونفقته، فمن أكثر أكثر له ومن أقلل أقلل له، ومن أمسك أمسك عليه، يا زبير إنّ الله يحب الإنفاق ويبغض الإقتار، فكل وأطعم ولاتقترّ فيقترّ الله عليك ولا تعسر فيعسر عليك، أطعم الإخوان ووقرالأخبار وصل الجار ولاتماش الفجار تدخل الجنة بغير حساب، فهذه وصبة الله لي ووصيتي لك يا زبير بن العوام: والأسواق موائد الآباق يطعم المولى منها من أبق من خدمته وهرب من مجالسته ووهن عن معاملته وجبن في متاجرته، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ) (مَا أُريدُ مِنْهُمْ مِن رِزْقٍ وَما أَريدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) الذاريات: ٥٦ - ٥٧، وقال بعض أهل العربية من القدماء: ما أريد أن يرزقوا خلقي إنّ الله هو الرزاق، أي لهم لا يطالبهم أن يرزقوا نفوسهم إذا خدموه، فذكر الله الوجوه الثلاثة واختار لنفسه أحدها وهي الخدمة، وعليه الكفاية، واختار من العبيد أحدهم فجعله عابده وتنزه عن أحدهما وتعالى عنه وهو الإطعام من العبيد له، وصرف عموم العبيد في الوجه الثالث من الإطعام لأنفسهم وهو التكسب، وضرب هذا مثلاً بينه وبين خلقه في الأرض وله المثل الأعلى في السموات والأرض، فبقي العبيد مع الله تعالى بحكمين، أحدهما ما اختاره لنفسه من العبادة وهي المعاملة وعليه الرزق كيف شاء ومتى شاء وهؤلاء عباد الرحمن لا عبيد الدنيا، والثاني ماصرف العبيد فيه من التكسب لأنفسهم وجعل ذلك رزقاً منه لهم بجوارحهم ومدحهم على هذا الوصف، وهؤلاء عموم العبيد منهم عبيد الدنيا وعبيد الهوى وبقي المولى مع العبيد على الأحكام الثلاثة التي أباحها الله تعالى لهم وضرب بها المثل بينه وبينهم، أيها اختاره كان ذلك لهم، وتفسير ذلك أن للمولى من الخلق أن يقول لعبده: اذهب فأطعمني لأنك عبدي وملك يدي، فأنا أملك كسبك كما أملك نفسك، وهذا هو الوجه الذي ذكرناه أنّ الله تنزه عنه وتعالى علواً كبيراً فقال تعالى: (مَا أُريدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) الذاريات: ٥٧، كما يريد الموالي من عبيدهم هذا ثم يقول المولى منا لعبده: اذهب فأطعم نفسك واسعَ في قوتك فقد أبحت لك ذلك، ووهبت لك كسبك فهو رزق مني لك وتفضّل مني عليك، وبهذا صار المكاتب لعبده في فكاك عتقه كالمعتق بأن كان له الولاء وقد يكون له الميراث في حال، لأنه منعم عليه بالكتابة له كالمعتق، وإن كان العبد هو الذي سعى في فكاك رقبة

<<  <  ج: ص:  >  >>