للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر أحكام مقام الرضا]

الرضا عن الله سبحانه وتعالى من أعلى مقامات اليقين بالله، وقد قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاّ الإحْسَانُ) الرحمن: ٦٠، فمن أحسن الرضا عن الله جازاه الله بالرضا عنه، فقابل الرضا بالرضا، وهذا غاية الجزاء ونهاية العطاء، وهو قوله عزّ وجلّ: (رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) التوبة١٠٠ وقد رفع الله الرضا على جنات عدن، وهي من أعلى الجنات، كما فضل الذكر على الصلاة فقال تعالى: (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) التوبة: ٢٧ كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ) العنكبوت: ٤٥ والذكر عند الذاكرين المشاهدة، فمشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة وهو أحد الوجهين من الآية، والوجه الثاني ذكر الله للعبد أكبر من ذكر العبد لله، وقال أبو عبد الله الساجي: من خلق الله عباد يستحيون من الصبي يتلقفون مواقع أقداره بالرضا تلقّفاً، وقد كان عمر بن عبد العزيز يقول: أصبحت وما لي سرور إلا في مواقع القضاء، فالراضون عن الله عزّ وجلّ هم الذاكرون لله بما يحب ويرضى، فالراضون الأكبر جزاء أهل الذكر الأكبر، وهذا أحد المعاني في قوله: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين؛ أي الرضا عنه، لأن السائلين يسألونه لهم فأعطاهم العفو، والذاكرون ذكروه فأعطاهم الرضا عنه عزّ وجلّ، ويكون أيضاً معناه: أعطيته النظر إليّ لأن الذكر يدخل في المشاهدة، فقابل النظر إليه اليوم بالنظر إليه غداً كما قابل الوصف بالوصف في قوله عزّ وجلّ: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) (ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) عبس: ٣٨ - ٣٩ وقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يتجلى لنا ربنا ضاحكاً، والذكر قرب السمع.

والسمع يخرج إلى النظر، والرضا هو حال الموفق، واليقين هو حقيقة الإيمان، وإلى هذا ندب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عباس في وصيته له فقال: إعمل لله باليقين في الرضا، فإن لم يكن فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، فرفعه إلى أعلى المقامات ثم ردّه إلى أوسطها، كذلك قال لابن عمرو: اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فند المشاهدة وهو الإحسان لأنه سُأل: ما الإحسان؟ قال: تعبد الله كأنك تراه، ثم ردّه إلى الصبر والمجاهدة وهو الإيمان، وهذا مكان العلم بأنّ الله يراه، وليس بعد هذا مكان يوصف، وقد رفع الله تعالى الرضا منه فوق ما أعطي من النظر، ففي الخبر أنّ الله تعالى يتجلّى للمؤمنين فيقول: سلوني، فيقولون: رضاك، فسؤالهم الرضا بعد النظر تفضيل

<<  <  ج: ص:  >  >>