للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله له، وفي الخبر المشهور: طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان رزقه كفافاً ورضي به، وفي مثله أيضاَ من رضي من الله عزّ وجلّ بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل، وقد روينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً: من طرق أهل البيت إذا أحب الله عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه وإن رضي اصطفاه، فالرضا عن الله عزّ وجلّ والرحمة للخلق وسلامة القلب والنصيحة للمسلمين وسخاوة النفس مقام الأبدال من الصدّيقين، وقد روينا في أخبار موسى عليه السلام أنّ بني إسرائيل قالوا: سل ربّك أمراً إذا فعلناه يرضى به عنا، قال موسى: إلهي قد سمعت ما يقولون، فقال: يا موسي قل لهم يرضون عني حتى أرضى عنهم، ويشهد لهذا الخبر المروي عن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحبّ أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده، فإن الله ينزل العبد منه بحيث أنزله من نفسه، وقد روينا حديثاً حسناً كالمسند عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك: إذا كان يوم القيامة أنبت الله لطائقة من أمتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان، يسرحون فيها ويتنعمون كيف شاؤوا قال: فتقول لهم الملائكة: هل رأيتم الحساب؟ فيقولون: ما رأينا حساباً فيقولون: هل جزتم الصراط فيقولون: ما رأينا الصراط فيقال لهم: رأيتم جهنم؟ فيقولون: ما رأينا شيئاً فتقول الملائكة: من أمة مَنْ أنتم؟ فيقولون مِنْ أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقولون: نشدناكم الله، حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا فيقولون: خصلتان كانتا فينا فبلغنا الله هذه المنزلة بفضل رحمته فيقولون: وما هما؟ فيقولون كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه ونرضى باليسير مما قسم الله لنا، فتقول الملائكة: يحقّ لكم هذا، هكذا كان في كتاب شيخنا عن أنس، وقال فيه لطائفة من أمتي ففيه دليل على المسند، وقد جاء الأثر: من رضي من الله بالقليل من الرزق رضي الله عنه بالقليل من العمل، وقال بعض علمائنا: أعرف في الموتى عالماً ينظرون إلى منازلهم من الجنان، في قبورهم بغدى عليهم ويراح من الجنة بكرة وعشيًّا، وهم في غموم وكروب في البرزخ، لو قسمت على أهل البصرة لماتوا أجمعين، قيل: وما كانت أعمالهم؟ قال: كانوا مسلمين، إلا أنهم لم يكن لهم التوكل ولا من الرضا نصيب، وقد جاء في فرض الرضا قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعطوا اللّّه الرضا من قلوبكم تطفروا بثواب فقركم، وإلا فلا، وقرن لقمان الرضا بالتوحيد فقال في وصيته لابنه: أوصيك بخصال تقرّبك إلى الله وتباعدك من سخطه: الأولى تعبد الله لا تشرك به شيئاً، والثانية الرضا بقدر الله فيما أحببت وكرهت، وقال في وصيته: ومن يتوكل على الله ويرضى بقدر الله فقد أقام الإيمان وفرغ يده ورجليه لكسب الخير، وأقام الأخلاق الصالحة التي تصلح للعبد أمره،

<<  <  ج: ص:  >  >>