للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخني وفجر من الكلام ومغازلة النساء ومداعبتهن والتحدث في شأن الجماع، والفسوق جمع فسق وهو اسم جامع لكل خروج من طاعة ولكل تعدّي حدّ من حدود الله تعالى، والجدال وصف مبالغ للخصومة والمراء فيما يورث الضغائن وفيما لا نفع فيه؛ فهذه ثلاثة أسماء جامعة مختصرة لهذه المعاني المثبتة أمر اللّّه تعالى بتنزيه شعائره ومناسكه منها لأنها مشتملة على الآثام وهنّ أصول الخطايا والإجرام، والحجّ في اللغة هو القصد إلى من يعظم، وكانت العرب تقول نحجّ إلى النعمان أي نقصده تعظيماً له وتعزيزاً، فينبغي أن يكون الحاجّ معظّماً لمن قصده بالحجّ ليتحقق بمعنى هذا الاسم، والحجّ أيضاً سلوك الطريق الواضح الذي يخرج إلى البغية ويوقف على المنفعة واشتقاقه من المحجّة بمنزلة النسك، وهو اسم للطريق مشتقّ من المنسك، وهو من أسماء الطريق وإن كان أصله المذيح ومنه سمي الناسك لأنه سالك لطريق الآخرة، فأول فضائل الحجّ حقيقة الإخلاص به لوجه الله تعالى، وأن تكون النفقة حلالاً واليد فارغة من تجارة تشغل القلب وتفرق الهم، ويكون الهمّ مجرّداً والقلب ساكناً مطمئناً مملوءاً بالذكر فارغاً من الهوى ناظراً أمامه غير ملتفت إلى ورائه، وصحة القصد بحسن الصدق ثم طيب النفس بالبذل والإنفاق والتوسع في النفقة والزاد وبذل ذلك، لأنّ النفقة في الحجّ بمنزلة النفقة في سبيل الله تعالى؛ الدرهم بسبعمائة درهم، والحجّ من سبيل اللّّه، روي ذلك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال ابن عمر وغيره: من كرم الرجل طيب زاده في سفره، وكان يقول: أفضل الحجاج أخلصهم نية وأزكاهم نفقة وأحسنهم يقيناً، وفي حديث ابن المنكدرعن جابر عن رسول اللّّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحجّ المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنة، وقال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما برّ الحجّ، قال: طيب الكلام وإطعام الطعام، ويقال: إنّما سمي سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، وبعضهم يقول يسفر عن صفات النفس وجوهرها إذ ليس كل من حسنت صحبته في الحضر حسنت صحبته في السفر، وقال رجل لآخر: إنه يعرفه، فقال له: هل صحبته في السفر الذي يستدلّ به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: ما أراك تعرفه، ولا يجادل ولا يخاصم ولا يكثر المراء ولا يرفث بلسانه.

وروينا عن بشر بن الحرث قال: قال سفيان: من رفث فسد حجّه، وليتعلّم أحكام المناسك ومعالم الحجّ وهيئاته وآداب المشاهد قبل الخروج، وليكن ذلك أهمّ شيء إليه وليقدّمه على جميع أسباب السفر، فإن هذا هو المقصود والبغية فلا يتأبن عنه، وليعد له رفيقاً صالحاً عالماً محبّاً للخير معيناً عليه، إن نسي ذكره، وإنْ ذكر أعانه، وإن جبن شجعه، وإن عجز قواه، وإن أساء ظنه وضاق صدره وسّع صدره وصبره وحسن ظنه ولا يخالف رفيقه ولا يكثر الاعتراض عليه، وليحسن خلقه مع جميع الناس، ويلين جانبه ويخفض جناحه، ويكف أذاه عن الخلق، ويحتمل أذاهم؛ فبهذه المعاني يفضل الحج

<<  <  ج: ص:  >  >>