للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد، فقال سبحانه: (كَيْفَ يَهدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) آل عمران: ٨٦، وقال: (يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران: ٨،، فجعل ضدهما الكفر، وعلى مثل هذا خبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان والإسلام بوصف واحد، فقال في حديث ابن عمر: بني الإسلام على خمس: شهادة أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، صوم رمضان، وحجّ البيت، وفي حديث ابن عباس عن وفد عبد القيس أنهم سألوه عن الإيمان فذكر هذه الأوصاف فدلّ بذلك أنه لا إيمان باطن إلاّ بإسلام ظاهر، ولا إسلام على نية إلاّ بالإيمان سرّاً، وأنّ الإيمان والعمل قرينان لا ينفع أحدهما بغير صاحبه، ولا يصحّ أحدهما إلاّ بالآخر، كما لا يصحان ولا يوجدان معاً إلاّ بنفي ضدهما وهو الكفر، كما روي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يكفر أحد إلا بجحود ما أقرّ به، وأظهر من حديث ابن عباس آنفاً أنّ في نفس حديث ابن عمر ذكر الإيمان أيضاً بدلاً من لفظ الإسلام.

ورواه جرير عن سالم بن أبي الجعد عن عطية مولى بني عامر عن يزيد بن بشر قال: أتيت ابن عمر فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله بن عمر ما لك تحجّ وتعتمر وقد تركت الغزو؟ قال: ويلك إن الإيمان بني على خمس تعبد الله تعالى، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتحجّ البيت، وتصوم رمضان، كذلك حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد اشترط الله تعالى للإيمان العمل الصالح، ونفى النفع بالإيمان إلاّ بوجود العمل، كما شرط للإيمان الإسلام فقال تعالى: (إلاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأوُلئِكَ يُبَدِّلُ الله سيّئاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) الفرقان: ٧،، إجماع من أهل التفسير؛ إلاّ من تاب من الشرك كقوله تعالى: (فَإنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاة وَآتُوا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبيلَهُمْ) التوبة: ٥، بعد قوله وخذوهم واحصروهم، وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ بِالتي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وعَمِلَ صَالِحاً) سبأ: ٣٧، وقال تعالى: (الَّذينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يونس: ٦٣، كما قال تعالى: (الَّذينَ آمَنُوا بِآيَاتِنا وَكَانُوا مُسْلِمينَ) الزخرف: ٦٩، فاشترط للإيمان الأعمال والتقوى، كما اشترط للأعمال الصالحة الإيمان، فكما لو عمل العبد بالصالحات كلها لم تنفعه إلاّ بالإيمان، كذلك لو آمن من الإيمان كله لم ينفعه إلاّ بالأعمال، وفي وصية لقمان لابنه: يا بني كما لا يصلح الزرع إلاّ بالماء والتراب فكذلك لا يصلح الإيمان إلاّ بالعمل والعلم، فأما تفرقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث جبريل عليه السلام لما سأله ما الإيمان؟ فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبهِ ورسله بالبعث بعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشره، ثم قال: ما الإسلام؟ فذكر الخصال الخمس؛ فإن ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>