للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الخبر: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أنّ لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، ففي تبعيض أخلاق الإيمان وفي وجود دقائق الشرك وشعب النفاق ما يوجب الاستثناء في كمال الإيمان لجواز اجتماع الإيمان والنفاق في القلب ولوجود شعب النفاق وعدم بعض شعب الإيمان من القلب، كيف وقد جاء في الخبر: أكثر منافقي أمتي قراؤها، والحديث الآخر: الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا، وقال حذيفة: كان الرجل يتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصير بها منافقاً إلى أن يموت: إني لأسمعها من أحدكم في اليوم عشر مرات، وفي حديث عليّ كرّم الله وجهه: أنّ الإيمان ليبدو لمعة بيضاء؛ فإذا عمل العبد الصالحات نما وزاد حتى يبيضّ القلب كله، وأنّ النفاق ليبدو نكتة سوداء فإذا انتهكت الحرمات نمت وزادت حتى يسوّد القلب فيطبع عليه؛ فذلك الختم، ثم قال تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) المطففين: ٤١؛ فهذا كله موجب للاستثناء في الإيمان خشية خفايا الشرك ووجود دقائق النفاق وخوفاً من الدعوى للحقيقة والكمال، لأن من قال: إني مؤمن حقّاً فقد زكى نفسه وعصى ربه، لأن الله تعالى نهى عن الزكية للنفس، وعرض المزكي نفسه للكذاب في قوله تعالى: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) النجم: ٣٢، وبقوله: (ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ الله يُزَكّي مَنْ يَشَاءُ) النساء: ٤٩، ثم قال تعالى: (اُنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكَذِبَ) النساء: ٥،، وقد قال إبراهيم عليه السلام في تفسير أحد الوجهين من قوله تعالى: (وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبّي شَيْئاً) الأنعام: ٨،، ومثله قال شعيب: وما يكون لنا أن نعود فيها، يعني ملة الكفر، إلاّ إن يشاء الله ربنا، ثم علّلا جميعاً بسعة العلم وسبق المشيئة به فلم يأمنا أن يكونا في سعة علم الله عزّ وجلّ وفي خفيّ مشيئته؛ وهذا هو خوف المكر، وحقيقة المكر معنيان؛ أحدهما أن يظهر شيئاً ويخفي ضده، والثاني أن يكشف ما كان ستره ويفشي ما كان أسره بعد الطمأنينة والعزة، والأنبياء مع فضلهم ومكانهم يستثنون في الكفر خيفة المكر، ولا يستثني الضعيف الجاهل في الإيمان ويغترّ بظاهر أمره، بل ينبغي أن يستثني في الإسلام أيضاً وفي جميع أعمال البرّ، لأن القبول غير العمل والسابقة غير ما ظهر من المعاملة، ولا ينبغي أن يدع الاستثناء في شيء من الأحوال.

وقال بعض العلماء في معنى قوله تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ) ق: ١٩، قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>