للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلم عليك إلاّ أنه ذكر غير ذلك، فاختلفت الألفاظ في الخصال وأنفقت المعاني، وذكر بعضهم في حديث ما لم يذكره الآخر، فجمعنا اختلافهم وعدد جمل الخصال فكانت عشرة إلاّ ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ فإنه حديث غريب مؤكد للخصال وزائد عليها في الألفاظ نذكره بعدها، فأما الخصال العشر التي كثرت الأخبار بها فهي أن يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويشهد جنازته إذا مات، ويبرّ قسمه إذا أقسم عليه، وينصح له إذا استنصحه، ويحفظه بظهر الغيب إذا غاب عنه، ويحبّ له ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، فأما حديث أنس: فروينا عن إسماعيل بن أبي زياد عن أبان بن عياش عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أربع من حق المسلم أن تعين محسنهم وأن تستغفر لمذنبهم وأن تدعو لمدبرهم وأن تحب تائبهم؛ فهذه الخصال داخلة في تلك الخصال وجامعة لها في معنى النصيحة لأخيك، وفي أن تحب له ما تحبّ لنفسك، وقد كان ابن عباس يؤكد هذا المعنى خاصة للمسلم على المسلم، ويفرضه فرض الحلال والحرام، ويفسّر به قوله: رحماء بينهم، فحدثناه في رواية جبير عن الضحاك عنه في قول الله عزّ وجلّ: رحماء بينهم؛ يعني متوادّين بينهم، يدعو صالحهم لطالحهم، إذا نظر الطالح إلى الصالح من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم بارك له فيما قسمت له من الخير، وثبته عليه، وانفعنا به؛ وإذا نظر الصالح إلى الطالح من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم اهده، وتب عليه، واغفر له، قال ابن عباس هذه الآية من حلالكم وحرامكم؛ فهذه الخصال المذكورة جامعة مختصرة في حرمة المسلمين ووجوب حق بعضهم على بعض لا عذر لأحد منهم في تركها إلاّ من عذرته السنّة، ويشهد له العلم، وبعضها أوكد من بعض وأكمل المؤمنين إيماناً لقومهم بها وأسرعهم إليها قد كثرت بها الروايات، وقد كان بعض السلف تركوا منها ثلاثة: إجابة الدعوة، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، إلاّ أنّ هؤلاء اعتزلوا الناس أصلاً وكانوا أحلاس بيوتهم لم يخرجوا إلاّ إلى الجمعات، ومنهم من ترك الجماعات وكان منهم من تبوأ الجبانات وفارق الأمصار والإخوان، وقال سهل: ما أعلم شيئاً أشدّ من حقوق الناس وكان يقول من كفّ أذاه عن الخلق مشى على الماء، وقال أبو يزيد وغيره بغية العقلاء السلامة من الله تعالى، ومن أراد السلامة من الله فليسلم الناس منه، فمن أراد أن يسلم الناس منه فليبعد منهم، فقد أنشدت لبعضهم في معناه:

الناس بحر عميق ... والبعد منهم سلامه

وقد نصحتك فانظر ... لا تدركنك ندامه

وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: اتقوا الله واتقوا الناس، وعن

<<  <  ج: ص:  >  >>